إجراءات لمنع المجموعات المتعددة الجنسيات من التهرب الضريبى
الولايات المتحدة الأمريكية كانت أكثر الدول ذكاء فى التعامل مع قضية التهرب الضريبى، وخروج مليارات الدولارات إلى مناطق «الملاذات الضريبية الآمنة» فى بريطانيا وجزر الكاريبى، والبنوك السويسرية وما تفرضه من حصانة وسرية شديدة على عملائها.
الدولة التى يمثل اقتصادها نسبة %40 من حجم الاقتصاد العالمى استبقت «وثائق بنما» بسبع سنوات، وسعت إلى فرض الرقابة والأحكام على التهرب الضريبى من المواطنين والشركات الأمريكية خارج الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن اكتشفت أن حجم التهرب الضريبى لديها يقدر بحوالى 100 مليار دولار، حسب إحصاءات 2009 وهى السنة التى شهدت معركة ضروس بين واشنطن والبنوك السويسرية، التى رفضت طلب أمريكا الكشف عن حسابات الأمريكيين لديها، لكن «مين يقدر على أمريكا ومن يقف فى وجه واشنطن»، فقد رضخت البنوك السويسرية للضغوط الأمريكية، وكشفت عن حسابات ألف حساب لأمريكيين لديها ودفع غرامة تقدر بحوالى 780 مليون دولار لتسوية القضايا، التى رفعتها الحكومة الأمريكية على البنك تتهمه بالتورط فى عمليات تهرب ضريبى عن طريق خلق حسابات وهمية لإخفاء الأصول المالية الحقيقية لعدد من عملائه.
الولايات المتحدة لم تكتف بذلك، بل سعت إلى إصدار قانون يسمى «الامتثال الضريبى» وهو عبارة عن إجراءات تجعل مصلحة الضرائب قادرة على إحكام عمليات التهرب الضريبى والقضاء عليها، وهو القانون المسمى باختصار بـ«الفاتيكا»، ووفقا للقانون الذى بدا تطبيقه فى أول يناير 2014 تفرض واشنطن العقوبات على أية بنوك وشركات وأيضا دول لا تكشف عن الحسابات البنكية والنشاطات التجارية والاقتصادية للأشخاص الأمريكيين لديها وفوق أراضيها، ويطال القانون الأشخاص مزدوجى الجنسية أيضا من دول العالم الأخرى، وإلا سيجدوا أنفسهم أمام خيارين، إما الخضوع لقانون «الفاتيكا» أو التخلى عن الجنسية الأمريكية، الكل خضع للقانون الأمريكى، حتى إن بعض الدول سمحت للضرائب الأمريكية بالتعامل مباشرة مع بنوكها ومؤسساتها المالية، وإلا فإن العقوبات كانت تتضمن اقتطاع %30 من حسابات البنوك والمؤسسات المالية الدولية غير المتعاونة مع القانون الأمريكى، ولم نسمع منذ تطبيق القانون عن رفض البنوك والمؤسسات المالية العالمية التعامل معه ورفض الطلب الأمريكى بالكشف عن الحسابات.
وبالأمس وعلى خلفية فضيحة وثائق بنما، أعلنت الولايات المتحدة عن إجراءات جديدة لمنع المجموعات متعددة الجنسيات من التهرب من دفع الضرائب عبر إقامة مقارها فى الخارج عن طريق شراء شركات، وقال وزير الخزانة الأمريكى جاكوب ليو: «إن الشركات استفادت لسنوات من نظام يسمح لها بإقامة مقارها الضريبية فى الخارج لتجنب الضرائب فى الولايات المتحدة من دون تغيير نموذجها الاقتصادى»، وبموجب عمليات تسمى «التعاكس الضريبى» قامت شركات أمريكية عملاقة من بينها خصوصا «فايزر» بشراء شركات تتمركز فى بلاد تفرض ضرائب متدنية مثل آيرلندا وهولندا، لتصبح مقرا لها مع الاحتفاظ بنشاطاتها وهيئاتها الإدارية فى الولايات المتحدة.
وهذه الصفقات القانونية والمثيرة للجدل تهدف خصوصا إلى الإفلات من الضرائب الفيدرالية على الشركات فى الولايات المتحدة، التى تعد الأعلى بين الدول الصناعية وتبلغ %35، وبعد سلسلتين من الإجراءات فى 2014 و2015، ستعزز وزارة الخزانة ترسانتها، وتجعل من الأصعب على شركة أجنبية امتلاك %20 من رأسمال شركة أمريكية، وهى العتبة التى تتيح للكيان الجديد الإفلات من الضرائب الأمريكية.
وتهدف الإجراءات التى أعلنت الاثنين إلى معالجة الآلية التى تسمح لفرع أمريكى للمجموعة الجديدة بخفض ضرائبه، عبر حسم الفوائد التى تدفعها على قرض ممنوح من المجموعة الأم، وحسب وكالات الأنباء، فإن وزارة الخزانة ستحاول استهداف عمليات المحاسبة هذه، عندما «لا يمول هذا القرض أى استثمار جديد» فى الولايات المتحدة، هكذا تتعامل الدول الكبرى مع قضايا الفساد والتهرب الضريبى ونزح الأموال وغسيلها.. ونحن ما زلنا فى انتظار رد من الحكومة والدولة المصرية على ما جاء فى وثائق بنما.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة