لله جنود لا نعلمها ولا نتخيلها فى هذا العالم، هؤلاء الجنود دورهم مهم جدا فى الحياة، لأنهم يصنعون نوعا من التوازن النفسى للشعوب المطحونة الفقيرة، الضائع حقها، العاجزة عن تحقيق حياة كريمة لها فى هذا العالم الذى يزداد تعقيدا، ومثال ذلك ما حدث فى الأيام القليلة الماضية فيما يطلق عليه «وثائق بنما»، حيث تم تسريب آلاف الوثائق التى تقول إن الكثير من قادة العالم ورجاله المهمين وعائلاتهم يسرقون شعوبهم، وهذا الأمر يطرح عددا من الأسئلة حول هل الأمر مجرد سبق صحفى أم أن له جانبا أخلاقيا، وأين تكمن مصلحة الشعوب فى معرفة مثل هذه المعلومات؟
وفى رأيى ثقافة الفضح أمر يتجاوز فكرة السبق الصحفى، ويصل أحيانا لدرجة «الدور الواجب» الذى من المفروض أن يقوم به أحد ما، وليس هذا دفاعا عن مقدمى وثائق بنما، فالله أعلم بنواياهم، لكن الأمر له علاقة بفكرة الإشارة إلى الخطأ، خاصة أن هناك الكثير من الأنماط المجتمعية تستحق ذلك الفضح.
فكثير من الحكام فى العالم يخلطون بين الدول التى يديرونها وبين ذواتهم الشخصية، فلا يتعاملون انطلاقا من كونهم مسؤولين عنها، بل ينطلقون من فكرة أنهم والبلد شىء واحد، وبالتالى فإن مقدرات البلد تصبح مقدراتهم وأمواله أموالهم وموارده مواردهم، وإن سأله أحد، وعادة لا أحد يسأل، سيرد قائلا: «إنما أوتيته على علم عندى» ومثل هؤلاء الحكام يستحقون الفضح.
هناك مسؤولون لا يقومون بدورهم ويعتبرون مناصبهم وجاهة يتفاخرون بها على خلق الله، ولا يعرفون حدود دورهم المطلوب منهم، ويظنون أن اختيارهم لهذه المناصب إنما هو «طاقة قدر» فتحت لهم، وفرصة لن تعوض، ليحققوا أهدافهم الشخصية، ويرسخون لأنفسهم مكانة لهم ولأبنائهم وأتباعهم، هؤلاء يستحقون الفضح.
هناك رجال أعمال لا علاقة لهم بأوطانهم، إنما يتعاملون معها بصفتها منجما يأكلون قلبه كل صباح، وينتظرون أن ينبت له قلب جديد كى يأكلونه فى اليوم التالى، لا يبنون ولا يعمرون ولا يتركون أثرا يحسب لهم، هؤلاء يستحقون الفضح.
هناك مفكرون يأكلون على كل الموائد ولا يحملون وجهة نظر ولا يملكون خطة لبناء مجتمعهم، ويعيشون فى أبراج منعزلة لا علاقة لهم بأزمات ويتشدقون علينا بجمل جاهزة وحلول معلبة، أكلها الفشل ومرت عليها السنين، وأصبحت غير صالحة لشىء، أو أنهم يمنحون الناس مسكنات لا تحل مشكلاتهم، لكنها تلقى بهم فى الجحيم الأرضى، هؤلاء يستحقون الفضح.
ثقافة الفضح أحيانا تكون ضرورية حتى يصح المجتمع، ويتخلص من بعض شوائبه ويصبح الناس قادرين، بعض الشىء، على مواصلة الحياة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة