منذ أن تفتحت مداركى على الحياة، لم أر لأبى أما أو أبا إلا فى صور فوتوغرافية (أبيض وأسود) أو فى حكاياته التى كان يحب أن يحكيها لنا عن ذكرياته مع والديه وعظمة والده وقوته وحنانه ومكانته العالية بين أهل بلدته وعن والدته ذات الأصل التركى والتى غادرت الدنيا مبكرا لتتركه بلا أم.
كان أبى بالنسبة لنا ( ولا زال إلى الآن برغم انتقاله منذ سنوات قليلة إلى العالم الآخر)، رمزا للقوة والرجولة وسندا لا نستطيع أن نخاف فى وجوده أبدا.
لم أر أبى يوما يخش شيئا، حتى أننى كنت أعتقد أن أبى أقوى من كل شيء. لا يخشى الظلام، لا يخشى الثعابين، لا يخشى اللصوص ولا يخشى الرصاص، بالفعل كان كذلك. ولم تكن هذه الفكرة لدى قاصرة على صورة صنعتها لأبى كطفلة ترى أباها هو بطلها الأسطورى بل كانت تترسخ لدى دائما بالمواقف التى أعاصرها معه.
كنت أتصور أن هذا الرجل القوى لا يحتاج إلى صدر أمه الحنون أو إلى يد أبيه لتربت على كتفه. أبى كبير وقوى والكبار الأقوياء دورهم رعاية أولادهم الصغار ولا يحتاجون مثلنا إلى أبوين.
حين كبرت تغيرت نظرتى تماما إلى هذا الأمر بالرغم من أن والدى ظل قويا كما عهدته، ولكننى بدأت أدرك يتمه وبدأت دون إرادة منى أن أكون أما لأبى، هو أيضا استشعر منى ذلك وكنت الأقرب إليه دائما.
أدركت أن الكبار الأقوياء يحملون هموما وأثقالا تجعلهم هم الآخرين محتاجين بشدة إلى الحضن الذى يضم قلوبهم المثقلة المنهكة. أدركت أنه من العدل أن نكون فى وقت ما آباءا لآباءنا.
لا تترك والديك أيتاما. اهرع إليهما وضم فؤادهما إلى حضنك. وحين تحب أن تتصدق بحنانك على الأيتام فأرجوك ألا تنسى أيضا أيتاما أشعل الزمن فى رأسهم المشيب وخط بسنونه فى وجوههم التجاعيد، قد أودعهم فلذات أكبادهم دورا للأيتام الكبار تحمل اسم "دور المسنين".
صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة