سيرى يا ترحيلة بينا/ وعلى أى سجن وودينا
لأجل نشحطــط أهالينا/ ونسقيهــم المــــــرار/وفى سجن الوادى اتحطينا/ حلاقه وكله يلطش فينا
نظــم واجرى هدومنـا رمينــا/ تقـولشـى بنعمـل زار/نظم وارقد بوس العتبة/ وكل دفعه ماسك له خشبة/إيده يا اخوى ده قد الكنبة/ ليـه وأنا ظهـرى حمـــار/ قالوا خمس دقايق وخدونا/ سنه واتنين ولا سألوا فينا/ساعتهم مالها من غير مينا/ يـا رب أنا عنـدى صغـار/ لا تظـلـم نافـع فينـا/ ولا إفــراج بيهنينا/ وفى الترحيلة رحنا وجينا/ وكلهـا أقـدار
أقدار.. أقدار.. أقدار
كانت هذه الأغنية المؤلمة الرائعة، إحدى الأغانى التى أبدعها الشاعر أحمد عبدالرحمن، المعتقل فى التسعينيات، وغناها الأخ سيد موسى فى الحفل الذى أقيم فى نهاية محاضرات مبادرة وقف العنف بسجن دمنهور الجديد «شديد الحراسة»، الذى حضره كل المعتقلين، وكان عددهم يجاوز الثلاثة آلاف معتقل، بعضهم حصل على عشرين أو ثلاثين أو أربعين إفراجاً من المحاكم دون أن تنفذ، وكان يتم اعتقالهم من الباطن، وكانت هذه الحفلة فى عام 2002 م، وحضرها كل ضباط الداخلية الكبار، سواء مدير مصلحة السجون أو المرحوم اللواء أحمد رأفت وتلاميذه وضباطه أو ضباط السجون أو غيرهم.
وكنا قد اعتدنا على إقامة حفل جامع كبير يتحدث فيه قادة المبادرة، ويتحدث فيه أيضاً كبار الضباط، وكانوا يجلسون سوياً على منصة واحدة يتوسطهم عادة اللواء أحمد رأفت، والشيخ كرم زهدى، ومدير مصلحة السجون الذى كان يحرص عادة على الحضور بنفسه، وكان يتخلل الحفل الأناشيد والأغانى، التى كتب معظمها المعتقلون فى السجون، مع فقرات ضاحكة وبعض ألعاب نادرة ومواقف طريفة ومؤلمة فى الوقت نفسه من حياة السجون.
أما د. محمد حافظ فقد أنشد يومها قصيدة عن سجن الوادى الجديد، الذى كان من أوائل المعتقلين الذين افتتحوه وذاقوا مرارته، فكتب عنه قائلاً:
ألا يا واديا يحيا بعيدا /عن الأوطان منفرداً غريباً
أقلبك ذا الذى يدمى جريحاً/ وأسمعه يرجع ذا النحيبا
كأن مرامياً شرساً رماه/ بسهم فاستوى فيه مصيبا
لقد كان سجن الوادى الجديد يضم أربعة آلاف معتقل، كان نصفهم مصاباً بالدرن تارة، أو بالجرب أخرى فى التسعينيات لانعدام كل أسباب الحياة الكريمة فيه، وكان الخروج لمستشفى السجن أصعب من البقاء بالمرض، لأن المعتقلين جميعاً كانوا حفاة، وكانت تحترق بطون جلودهم من حرارة الوادى الجديد 44 درجة مئوية، أما سجن العقرب فقد ظل ثمان سنوات مغلقاً لا يزور فيه السجناء أقاربهم.
هذه الأحوال المأساوية تبدلت تماماً بعد المبادرة، فسجن الوادى الجديد تحول إلى أجمل وأرقى السجون، امتحانات، دورات رياضية، دروس علمية، إجراء عمليات جراحية، اهتمام غير مسبوق بالمرضى، تحويل المرضى إلى المستشفيات الجامعية، مسرحيات، أناشيد وأغانى فى الأعياد، صلاة الجماعة فى العنابر مع الضباط، ذبح العجول فى أعياد الأضحى وتوزيعها على المعتقلين، حضور ضباط الأمن للمسرحيات والاحتفالات، جمع الأشقاء فى سجن واحد، بعد أن كان كل واحد منهم فى سجن، تقريب كل معتقل لمنزله، زيارة ألف معتقل لمنازلهم فى أول سابقة فى تاريخ مصر، زيارة بعض المحكوم عليهم بالإعدام لمنازلهم وترك بعضهم فى البيت لساعات دون حراسة وعودته دون أن تحدث محاولة واحدة للهروب، خروج ثلاثة آلاف معتقل إلى فناء السجن مرة واحدة فى الاحتفالات، وقد كانت مصلحة السجون من قبل تخشى خروج عشرة معتقلين خارج الزنزانة وداخل العنبر، عمل بطاقات الرقم القومى للمعتقلين داخل السجن بواسطة السيارات المجهزة لذلك، تجهيز غرف السجن بكل سبل الحياة الكريمة، تحويل السجون الكئيبة إلى أماكن للدراسة والقراءة والتفكر والعبادة والتأمل والهوايات، وإدخال بعض الورش للحرف البسيطة ليتكسب منها المحكوم عليهم بأحكام كبيرة مثل ورش الأركيت وأعمال الخرز وغيره، ومساعدة المعتقلين الفقراء فى المواسم والأعياد، وتحويل مقار الأمن من مقار للتعذيب وانتهاك الكرامة الدينية والإنسانية إلى مقرات للرعاية الاجتماعية والإنسانية، وتذليل عودة المعتقلين إلى وظائفهم ودمجهم فى المجتمع، من يصدق أن كل هذه المنظومة الرائعة حدثت بعد مبادرة منع العنف وتوجت الإفراج عن قرابة عشرة آلاف معتقل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة