«نوارة» آخر الأعمال السينمائية للمخرجة والمؤلفة هالة خليل، نجاح «نوارة» يتبلور فى حجم الخلاف الناشئ عنه، حجم تباين وجهات النظر بين مؤيد لرسالة الفيلم ورافض لها، لم نختلف كثيرا حول الصبغة الفنية والإبداع الإخراجى وتباين المشاهد والكادرات التى تعكس الرسالة دون الحاجة لمزيد من الحوار، فتقريبا الغالبية أثنت على فنيات العمل السينمائى، وحيث إننى لست ناقدة فنية لأتحدث عن الزاوية الفنية للفيلم، فسأتحدث أكثر عن الرسالة التى وصلتنى عند انتهاء الفيلم والتى اختلف عليها الكثيرون، فكل طرف وصلت له رسالة مختلفة عن الآخر، وفى رأيى أن هذا بالأساس منبع قوة وإبداع العمل الفنى.
رأيت الفيلم انعكاسا كبيرا للواقع، الواقع القاسى المؤلم السوداوى أحيانا والمرفوض غالبا، فكنت بين الرافض والمؤيد فى نفس الوقت، رافضة كفتاة مؤمنة بالثورة أن تكون هذه هى نتيجة الحلم بثورة العدل والحرية، رافضة النهاية التى يبلورها الفيلم بالنسبة لى وكأنها نهاية الثورة وهى «أن الغنى ازداد مالا وجاها والفقير ازداد غلبا وذلا» فالثورة لم تنته بعد، رافضة نتيجة هروب من قامت ضدهم الثورة ليتمتعوا أكثر بما حصدوه من فساد سنوات داخل أروقة النظام، رغم أنها الواقع، رافضة أن يقتل بمنتهى الخسة والوضاعة الكائن الوحيد الذى استطاع أن ينقذ الفقير المكسور من سطوة يد الغنى المتسلط، والذى جسد دوره فى الفيلم «بوتشى» الكلب الوفى المخلص، خائفة ورافضة أن أتخيل أن العمل الفنى يريد أن يلمح أن هذا الدور هو شبيه بدور شهداء الثورة فهم الأنبل والأنقى على الإطلاق، ولكن بكل أسف وحسرة لم يتم حتى الآن القصاص من المجرمين الذين أحلوا دماءهم جبروتا وانعداما لكل معانى الإنسانية.
مؤيدة ومعترفة بأن القسوة التى أرفضها هى الواقع الذى نعيشه، مؤيدة أن رجال النظام الأسبق بعد الثورة هم الأكثر حظا بين عيشة هنية فى أحد أروقة شوارع لندن بالملايين التى استطاعوا تهربيها، أو مقاعد فى سلطات مختلفة تشريعية كانت أو تنفيذية أو حتى جامعة عربية، بين امتلاك قنوات إعلامية أو مصانع حديد أو سيراميك. مؤيدة أنه حتى الآن بعد أربعة أنظمة مختلفة بعد ثورة 25 يناير لم يستفد معدومو الدخل أو محدودو الدخل من عدالة اجتماعية أو خدمات بسيطة توفر لها مستوى عاديا أو حتى أقل من العادى.
مؤيدة أن الأمل كان فقط يتجسد فى أخبار وهمية يرددها التليفزيون مرة والراديو مرة أخرى عن إعادة أموال مبارك المنهوبة وأثبتت الأعوام أنها مجرد أوهام تباع كمسكن لفقراء ينتظرون من الثورة أن تنصرهم ولكنها لم تفعل حتى الآن فهى «لم تحكم» حتى الآن.
مؤيدة أن الثورة حاولت أن تصحح من مسارها عندما قام «محمد العدل» بفتح الطريق أثناء المظاهرة حتى تصل «نوارة» إلى عملها، وحاول أن يلتحم بـ«نوارة» وأمثالها حتى جعلها تردد معه «عيش حرية عدالة اجتماعية» فى «الميكروباص» الذى استقلته «نوارة» لعملها، ولكن للأسف نبل الثورة لم يستطع الصمود كثيرا فى وجه أسلحة الشر والفساد وسطوة الثورة المضادة وبطشها ضد الثوار وتشويهها للثورة العظيمة.
مؤيدة نهاية الفيلم المفتوحة التى تريد أن تقول فى مضمونها إن الثورة لم تنته بعد، وإن الظلم مستمر، وإن الفائدة الوحيدة التى حصلت عليها «نوارة» الـ20 ألف جنيه من نظام سقط هى كانت سبب تصاعد الظلم ضدها فهى لم تكن اعترافا من الغنى المستبد بحق العامل الفقير ولكن مُنحت فقط حتى يستمر العامل الفقير فى عمله لحماية أموال وممتلكات الغنى الهارب، فكانت بمثابة الطعم والمسكن الزائف والمحفز الخادع الذى تجرعه الثوار فيما بعد الثورة مباشرة جعلتهم يشعرون وهمًا أن الثورة على الطريق الصحيح فإذا بهم الآن يدفعون مزيدا من الثمن سواء من حريتهم أو من سمعتهم جراء ثورة مضادة تتهمهم بأنهم خونة وعملاء، ولكن حتى لو اضطروا أن يدفعوا آخر ما يملكون كـ«موتوسيكل» على سيدفعون، حتى تنتصر الثورة ويتحقق القصاص ويسود العدل فمشوار نجاح الثورات كما ذكره التاريخ قد يمتد لسنوات طويلة ولكن الحق سينتصر فى النهاية لا محالة.
«نوارة» ليست نهاية الثورة، ولكن فقط انعكاس لهزيمة واقعية ومرحلية تمر بها الثورة الآن، هذه هى الحقيقة بكل أسف التى نرفضها فقط إيمانا منا بأن الثورة ناجحة لا محالة، فالأعمال الفنية لعام 2011 التى تتحدث عن الثورة هى بالتأكيد مختلفة فى رسالتها عن أعمال 2016 وهى، بكل تأكيد، ستكون مختلفة عن عام 2020.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة