كيف نستفيد من الأزمة الاقتصادية الحالية التى تمر بها مصر..؟
قبل الإجابة عن السؤال نرى كيف استفادت دول كثيرة من أزماتها وخرجت واستفاقت منها أقوى مما كانت. لدينا مثال على ذلك لدول جنوب شرق آسيا التى تعرضت لأزمة مالية قاسية فى السنوات الثلاث الأخيرة من التسعينيات فى القرن الماضى وتعرضت لانهيارات متتالية لعملتها المحلية وانهارت بورصاتها وعانت جميعها من انخفاض الطلب والثقة فى السوق على مستوى المنطقة بأسرها.
ماليزيا وكما شرح رئيس وزرائها الأشهر مهاتير محمد استفادت من الأزمة واكتشفت موارد وقدرات لم تكن مستغلة قبل الأزمة، وبحثت الدولة فى الموارد الممكن توظيفها واستغلالها خلال ماديا وبشريا. ماليزيا خلال الأزمة استغلت ثرواتها من أخشاب الغابات وزيت النخيل حتى أصبحت أكبر مصدر له فى العالم وبدأت فى خطة إصلاح شاملة فى مجالات مختلفة ماليا وتشريعيا واجتماعيا. والتجربة شرحها كاملا مهاتير فى كتابه.
تجارب الاستفادة من الأزمات موجودة، وكما يقول أحد المفكرين الاقتصاديين وهو الكسندر جيرتشينكرون فى مقولته الشهيرة (إن الدول التى تبدأ فى التنمية الاقتصادية حديثا، تبدأ من حيث انتهى الآخرون، وهى بذلك توفر الوقت والمال والجهد، من خلال الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة وإنجازاتها العلمية والتقنية واتباعها الخطوات نفسها التى اتخذتها هذه الدول فى المسار الصحيح). نفس الحال يمكن تطبيقه للاستفادة من الخروج من الأزمات.
الاقتصاد المصرى يتعرض لهزات وأزمات منذ يناير 2011 ، ولكنه بدأ فى مسار الاستقرار إلى حد ما، مع استكمال الاستحقاق السياسى بكتابة الدستور وانتخاب الرئيس ثم البرلمان، لكنه لم يتعاف من أزمته، ومازالت تحاصره المشاكل من كل اتجاه. لكن هل تعلمنا من تجارب الآخرين للخروج من هذه الأزمات..؟
نعود لمحاولة الإجابة عن السؤال من البداية..؟ هل ما زالت هناك فرصة ومجال للاستفادة من أزماتنا؟
الفرصة فى ظل الأزمة تتجسد فى ثورة إصلاح تشريعى شاملة، خاصة فى القطاعات الاقتصادية والإدارية.. والتخلص من تعقيدات القوانين وتشوهاتها بسبب الإسهال التشريعى طوال السنوات الماضية.. فليس مقبولا حتى الآن، أن تكون الحكومة ممثلة فى وزارة الاستثمار، عاجزة عن إصدار قانون الاستثمار بلائحته التنفيذية وتطبيق فكرة «الشباك الواحد» للتيسير على المستثمرين فى إنهاء الموافقات على المشروعات الاستثمارية فى مدة زمنية قصيرة والتخلص من البيروقراطية العتيقة.
وغير مقبول ومع تغيير وزير الاستثمار أن تستمر وزيرة الاستثمار الجديدة داليا خورشيد فى إطلاق تصريحات الأمنيات والتمنيات فى التسهيل على المستثمرين وتهيئة المناخ الاستثمارى المناسب.
ثم تتحدث عن زواج الفرصة بالمستثمر. وربما الزواج بدون عقد حقيقى، وفى هذه الحالة، القانون ولائحته التنفيذية الواضحة والمحددة سيتحول إلى زواج عرفى أو غير شرعى.
الحال ذاته فى القطاع الحكومى المعطل لكل شىء فى مصر والذى يتسبب فى عذاب المواطنين والمستثمرين أيضا. فالأزمة الحالية فرصة حقيقية لإحداث ثورة إدارية فى جهاز أصيب بالتكلس، والترهل وأصبح أحد العوائق الكبرى أمام التقدم والتحديث والتنمية.
نحتاج أيضا إلى الانتهاء من قانون العمل الجديد وحسم الخلافات بين الحكومة وأصحاب الأعمال وهو ما يتطلب هنا دور للبرلمان.
تشريعات وقوانين كثيرة نحتاج للانتهاء منها لتمهيد الأرض للاستفادة من الأزمة الحالية والبحث عن الموارد المهدرة مثلما فعلت ماليزيا ودول جنوب شرق آسيا التى تتشابه فى تجاربها الاقتصادية معنا.
والفرصة أيضا فى إحداث إصلاحات شاملة فى نظام التعليم والمنظومة الصحية بوضع لبنات الإصلاح للسنوات الخمس المقبلة.
الدول تستفيد من أزماتها وتخرج منها أكثر قوة، استعدادا لما بعد الأزمة.. وهذا ما ندعو إليه.