تناقض المشهد كان سببًا فى لفت الأنظار إليهن بشدة، وجوه لم تفارقها ملامح الجمال رغم الظروف القاسية التى يمرون بها، فتيات كرديات ارتدين ملابس الرجال العسكرية، وقررن حمل السلاح ليتحملن طواعية مسئولية الدفاع عن قُراهن، وعن أنفسهن حتى لا تقع إحداهن رهينة فى فراش أحد الدواعش.
الحرب على "داعش" كانت لها الكثير من التداعيات على المنطقة والعالم، من صعود قوى وهبوط أخرى، ومن أهم القوى الصاعدة فى المنطقة الأكراد الذين انخرطوا -سواء بالعراق أو سوريا- فى الحرب على داعش، وحققوا انتصارات كبيرة على التنظيم، تلك الانتصارات التى جددت الجهود لتحقيق الحلم الكردى القديم بقيام دولتهم القومية كردستان على الأراضى التاريخية للأكراد، وكان آخر هذه الجهود إعلان أكراد سوريا قيام حكم فيدرالى فى الأراضى التى يسيطرون عليها فى شمال سوريا على الشريط الحدودى مع تركيا فى منتصف مارس الماضى، بينما لاقت هذه الخطوة رفض المعارضة والحكومة السورية معا باعتبارها دعوة لتفتيت سوريا.
فيما يعتبر هذا الإعلان تكرارا لسيناريو أكراد العراق، حيث قرر أكراد سوريا أن يسيروا على خطى إخوانهم فى كردستان العراق الذين نجحوا فى الاستفادة من كل ما يحل بالعراق من مصائب، البداية عندما أيدوا القوات الأمريكية فى حربها على صدام حسين، ونالوا بعد سقوط بغداد استقلالا تاما تحت مسمى "حكم ذاتى"، حيث يتمتع الإقليم بحكومة وجيش وموارد اقتصادية -متمثلة فى حقول النفط الذى تقوم بتصديره حكومة كردستان العراق مباشرة إلى تركيا دون الرجوع إلى حكومة بغداد- بما يجعل الإقليم أقرب إلى دولة داخل الدولة، وجاءت تصريحات مسعود برزانى رئيس حكومة إقليم كردستان العراق بأن عصر سايكس بيكو قد انتهى، فالواقع على الأرض يشى بذلك" أنبأت الكثير عن نوايا أكراد العراق بتحقيق حلم الاستقلال عن حكومة بغداد، فهل تصبح كردستان العراق نواة للدولة الكردية القومية للأكراد؟
من الجدير بالذكر أن الأراضى التاريخية للأكراد التى عاشوا فيها منذ آلاف السنين موزعة الآن -وفقا لاتفاقية سايكس بيكو- بين 4 دول هى العراق وتركيا وسوريا وإيران، لذا فقيام كردستان -حلم الأكراد- يتطلب فى واقع الأمر اقتطاع ثلث مساحة تركيا تقريبا بجانب الشريط الحدودى لسوريا مع تركيا، ومنطقة شمال شرق العراق بالإضافة إلى الجزء الشمالى الغربى من إيران لتكوين الدولة الجديدة، وهذا عمليا أقرب إلى المستحيل.
لكن إعلان استقلال كردستان العراق لا يتطلب ترسيم حدودها الآن على أراضى الأكراد التاريخية، التى سيمكن تشكيلها بانضمام أكراد سوريا، ومن بعدهم أكراد تركيا ثم أكراد إيران ليشكلوا معا الحلم الكردى كردستان.
ويبدو أن الحلم الكردى مازال صعب المنال، فبالرغم من ما تعانيه سوريا الآن إلا أن أكراد سوريا لا يتمتعون بحظ إخوانهم فى العراق، من حيث الموارد الاقتصادية فى المناطق التى يسيطرون عليها بجانب العلاقة التى تربطهم بحزب العمل الكردستانى فى تركيا -المصنف كجماعة إرهابية فى سوريا وتركيا- والمسئول عن تفجيرات أنقرة الأخيرة تلك العلاقة التى وضعت بموجبها تركيا أكراد سوريا فى نفس السلة مع حزب العمل الكردستانى متربصة بتحركاتهم رافضة أى دعوى للانفصال عن سوريا حتى لا تتعرض لنفس المسألة مع أكراد تركيا الذين يشكلون %20 من السكان، ويتركزون على مساحة تقترب من ثلث مساحة تركيا أى أن دعوات الحكم الذاتى التى قد تتطور إلى استفتاء على الاستقلال مرفوضة تماما من تركيا لأن ذلك يعنى تفتيت تركيا، وهو أمر غير مقبول على المستويات السياسية كافة داخل تركيا، لذلك موقف الأكراد فى تركيا وسوريا أصعب بكثير وإن لم يكن مستحيلا خاصة مع ازدياد وتيرة العنف بين أكراد تركيا وحكومة أردوغان، فزيادة بطش الحكومة التركية بالأكراد قد يأتى بنتائج عكسية قد تؤدى إلى زيادة التعاطف الدولى مع قضية الأكراد فتتحول المطالب من حكم ذاتى إلى الحق فى تقرير المصير.
أخيرًا يمكن القول إن نجاح تجربة كردستان العراق إذا ما نالت استقلالا كاملا رسميا سيغير كثيرا من مستقبل القومية الكردية فى المنطقة سواء قبلت بذلك الدول الأربعة التى تفرقت بينها دماء كردستان أم لم تقبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
كاظم مصطفى
الاكراد