مارينا فارس تكتب: سر فى جريدة الصباح

الثلاثاء، 10 مايو 2016 06:00 م
مارينا فارس تكتب: سر فى جريدة الصباح ورقة وقلم - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حتى تلك اللحظة التى أمشى فيها ببطء من فرط ما ارتعشت قدمى وأنا لا أعرف كيف فعلتها. اى شيطان يخبرنى كيف جعلت من قصتى الاكثر سرية وخطورة سراً على الملأ !!. خطوات صغيرة فقط ويتسنى لى الإمساك بمأساتى وأجمل قصصى فى مقالة فى زاوية الجريدة. يقرؤها الجميع فى لامبالاة. ولا احد يعرف أننى المجهول صاحب رسالة اليوم فى بريد القراء. تلك القصة المحجوب اسم صاحبها نظراً لخطورة الموقف ولدواعى النرجسية.

فى ذلك اليوم ذهبت لأبتاع الجريدة ككل يوم، لقنت البائع العملات النقدية وأخذت الجريدة، لففتها بحرص ويداى ترتعشان وأنا أتلفت حولى وكمجرم يخفى جسم جريمته خبئتها بين أوراقى كما خبأت قصتها فى قاع قلبى وذاكرتى.

احياناً يكبر سراً ما داخلك أكثر مما يسعه قلبك، تود لو تلقى به كقنبلة وليعلم الجميع وينتهى الامر. احياناً تود لو تمليه على مسامع قبيلة من البكم. وكأنك تقبض على جمرة فتقذفها على بعد ذراعك عسى تتخفف من حرائقها.

وهذا كل ما فعلته... كتبت. كتبت قصتى وأرسلتها إلى بريد القراء فى إحدى الجرائد، لطالما تابعت بريد القراء كنت اقرؤه ببرود وأنا أحتسى الشاى على مكتبى فى العمل، لكن لم أتخيل أن أصير أنا بطل قصته ذات يوم. فأنا لم تطاردنى رغبة الكتابة يوماً، لم أجرب قبل الأن أن اتحرش بقلم أو أخربش وجة ورقة، لكن ما أن تمر هى بخاطرى حتى تستقيم القافية فى فمي، ويتحول كلامى شعراً وتتدفق الكلمات من اناملى. أنا فقط وصفت شعرها الذى يضع وجهها المضئ فى إطار من ذهب، فتبدو كشمس تزرع دفء.

كتبت كم تبدو رائعة حين تخطو كانما تطير أو تخطو على سحابة من دماء قلبي، فتبدو كملاك لا يعرف للحزن معنى. وصفتها حين تتحدث وتزهر الكلمات على شفاهها وحين تبتسم وتضئ الف نجمة وتسطع شموس لا حصر لها حتى أن الشمس تأتى كل صباح لتستعير بعض الدفء من كفيها والأنهار تسألها سر جريان شعرها الذهبى. وشرحت ايضاً فى القصة التى كتبتها كيف أعتادت أن تطوقنى بأشرطة سحرها الملونة وكيف أعتدت أنا أن اسلم لها سفينتى عقب أول مداهمة وسلام لعالم لا يعرف من الموسيقى إلا صوتها ولا رأى سحراً إلا عينيها ولا عطوراً الا رائحتها. ذكرت كل شيء بوضوح، أنها أحتلت كل مسام روحى وكل وقتى نوماً وصحواً ورفعت راياتها فوق كل مدن عقلى ودروب خيالى.

وكيف حملت إلى كل الماضى وإرتدت الحاضر وخبأت مستقبلى فى موجات عينيها التى يحتلها لون البحر.

وكيف صار نسيانها أمنيتى الأولى دون نوال وأننى قد فشلت فى أنتزاعها من كريات دمى وكم تمنيت لو تطاوعنى إرادتى وأعلن عليها الغضب والعصيان.

وكتبت ايضاً كيف خدعتنى وسخرت من مشاعري، فما اعتاد الرجل فى مجتمعنا أن يُرفض، اعتاد أن تجلس المرأة على مائدة الاختيار ليملى رغباته لكن لا يرضيه تبادل الادوار، حتى أن كرامتى الشرقية لم تسمح لى بان أحكى عنها لاى احد.

وهكذا صرت أنا الآن كتلك القصة المحجوب اسم صاحبها، ملقاة فى زاوية جريدة قد مضى تاريخها واصفرت أوراقها وصار لها رائحة النسيان، وصارت سر فى جريدة الصباح.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة