كانت هذه اللعبة مقامرة حقيرة من بدايتها
قبل شهور، قال السياسى اللبنانى وليد جنبلاط: إنه يستثنى «جبهة النصرة» من كونها جماعة إرهابية تقاتل فى سوريا، وذكر على صفحات «اليوم السابع» مبرراته الغريبة لهذا الرأى، من ضمنها أن بعض السوريين انضموا إليها اضطرارا.
جاء هذا الرأى الغريب غرابة صاحبه ضمن حملة تجميل لـ«النصرة»، بالرغم من أنها الفرع السورى لتنظيم القاعدة، واستهدفت تقديمها كبديل أقل وقاحة فى الإرهاب وسفك الدماء من «داعش»، وساهمت أطراف إقليمية فى هذه الحملة من باب تصميمها على رحيل نظام بشار الأسد بأى ثمن، وأن الاعتماد على هذا الفصيل الإرهابى سيحقق لها غرضها مرحليا، على أن يتم الالتفات إليه فى المرحلة التالية لسقوط «الأسد».
كانت هذه اللعبة مقامرة حقيرة من بدايتها، فالشعب السورى وحده هو من يدفع الثمن، وأن المتآمرين عليه فى لعبة تجميل «النصرة» اتفقوا على قتله، لكنهم يخيرونه بين القتل ببندقية «النصرة» أو القتل بمدافع «داعش».
أقول ذلك بمناسبة ما ذكرته صحيفة «تليجراف» البريطانية، فى تقرير لها يوم الأحد الماضى، يؤكد أن زعيم تنظيم القاعدة «أيمن الظواهرى» أمر جبهة النصرة بتأسيس إمارة خاصة بالتنظيم لتحدث الغرب، ومنافسة خلافة تنظيم «داعش» التى تتخذ من مدينة الرقة السورية عاصمة لها، وقالت الصحيفة فى تقريرها، الذى قدمه الزميل «محمد هشام» على صفحات الزميلة «الشروق» فى عددها الصادر «الثلاثاء الماضى»: إن إعلان الظواهرى تأييده للخطة فى خطاب مسجل تم بثه على شبكة الإنترنت، جاء وسط تقارير عن إيفاد كبار مساعديه إلى شمال غرب سوريا، لافتة إلى أنه من بين هؤلاء، القيادى المصرى بالتنظيم سيف العدل، وهو نائب الظواهرى والقائد الميدانى للتنظيم، وكان خاضعا للإقامة الجبرية فى إيران، قبل أن يتم إطلاق سراحه فى عملية لتبادل الأسرى، ليشق طريقه نحو سوريا فى النصف الثانى من العام الماضى، وتحدثت «تليجراف» صراحة عن أن دولة خليجية مثل قطر تسعى عبر وسطاء لإقناع جبهة النصرة بالتنصل من القاعدة، والاصطفاف بقوة مع الجماعات المتمردة الأخرى (تصف الصحيفة جماعات الإرهاب بالمتمردين)، وتقدم قطر إغراءاتها فى ذلك، بأنها ستقدم المساعدات لـ«النصرة» فى حال الاستجابة لمطلبها بالتنصل من القاعدة.
يتوقع تقرير «تليجراف» أن تكون النصرة «أكثر وحشية فى التعامل مع معارضيها، وأنها ستقوم بتطبيق متشدد للشريعة الإسلامية داخل دولتها الوليدة، وستكون أكثر قمعا ضد المدنيين»، وبالطبع لا يحتاج هذا التوقع إلى أسانيد لإثبات أنه نبوءة صحيحة، غير أنه من الضرورى ربطه بما يدور الآن على الأرض السورية، بتجدد القتال بين ساعة وأخرى بين الجيش العربى السورى، وبين الجماعات الإرهابية الأخرى، وفى مقدمتها «جبهة النصرة»، وفى قلب هذه الحالة يأتى القتال فى «حلب».
تحريض «النصرة» على الإعلان عن دولة جديدة يشير فى جانب منه إلى أن الأطراف الإقليمية المشجعة لهذا الإعلان تخطط لعدم إنهاء الأزمة، كما أنها لن تقف عند أى نقطة وسط قد تشتمل على قدر ما من التنازلات، أما الجانب المهم فى هذه القضية، فهو فضح سيناريوهات كل الذين حاولوا تجميل «النصرة» من عينة «جنبلاط» وغيره، فها هو «أيمن الظواهرى» يضعهم أمام حقيقتهم، ويكشف عن أن التوافق المرحلى من القاعدة مع أطراف مثل قطر لا يلغى أهداف التنظيم الكبرى والنهائية، ولا يلغى الخطوات المؤهلة لذلك وهى الخطوات التى تتواصل بسفك الدماء.
«جبهة النصرة» هى نسخة أخرى من «داعش»، وأى حديث عن تجميلها هو تخريف متعمد، وبالتالى علينا أن نفهم حقيقة المعارك الدائرة الآن فى حلب ومناطق سورية أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة