لست ضد أن تعرض شاشات الفضائيات عشرات المسلسلات التى لا يستطيع المشاهد فى هذا الشهر الفضيل أن يجد الوقت لرؤية نصفها أو حتى ربعها، لكننى ضد أن نعود إلى الوراء إلى مجتمع النصف فى المائة وقت أن كنا تحت الانتداب البريطانى نعيش مكتوفى الأيدى نناضل من أجل الحرية. كان النصف فى المائة هم الذين يملكون كل شىء، والـ99 ونصف لا يجدون إلا قوت يومهم.
سيهاجمنى البعض ويتهمنى بالمبالغة، لكن تعالوا نرى عينة مما أقوله. بلدنا مصر التى يحاصرها الإرهاب والقتل والتدمير من الأعداء تعيش على التبرعات.
نعم التبرعات!!
فى كل دول العالم المتقدم الفيصل فى الاكتفاء والرفاهية هو توفير الرعاية الصحية للمواطنين بصورة لائقة. ونحن ما أن يبدأ شهر رمضان حتى نجد سيلا من إعلانات الشحاتة وترقيق القلوب من أجل استكمال بناء مستشفى.. أو شراء أجهزة وأسرة جديدة، أو إجراء جراحات وما إلى ذلك.
بجنيه واحد ساهم.. خمسة جنيهات هتفرق معانا.. مكالمة تليفون أو رسالة هو ما نحتاجه منك..
أليس غريبا أن تصل تكلفة مسلسلات رمضان فى بلد يمد يده، ليجد علاج مرضاه إلى أكثر من حوالى ثلاثة مليارات جنيه. ويظهر كبار الفنانين للمشاركة فى حملة التبرعات وهم الذين تصل أجورهم إلى عشرات الملايين، ليقنعوا الغلابة أمثالنا من الطبقة المتوسطة أن يتبرعوا.
حالا مش بكرة!!!!
أى مفارقة نعيشها فيما نراه من إعلانات مستفزة للمشاعر. فهذا إعلان عن طفل يعانى من سرطان أو رجل يموت بفيروس سى أو طفل يحتاج إلى عملية قلب فورا، والإعلان الذى يليه مباشرة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ما يصف لنا رفاهية المنتجعات السياحية والشقق الفندقية فى أرقى التجمعات السكنية فى مصر التى تنتظر مجتمع النصف فى المائة؟
وهنا يطرح السؤال نفسه هل تعتقدون أن حملات التبرعات خلال شهر رمضان تنجح؟؟
والإجابة.. نعم بالطبع، وإلا لما أنفقت هذه المؤسسات كل هذه المبالغ على الإعلانات.. التى لو وفرت ميزانيتها لأفادت مئات وآلاف المرضى.
أليس هذا فى حد ذاته منتهى التناقض ما بين الدعوة للتبرع وعشرات الإعلانات مدفوعة الأجر. من يتحمس للتبرع من وجهة نظركم؟.. الطبقة المتوسطة من الشعب.. تقريبا. إلا فى حالات قليلة جدا؟!
ما يؤكد كلامى ليست الأرقام هذه المرة، لكن الواقع التعيس الذى نعيشه فى مصر.
تصوروا لو أن كل الأغنياء فى بلادنا أدوا زكاة مالهم وضرائبهم كاملة كيف سيكون حال مصر، بالتأكيد لن يكون هناك مريض أو محتاج. لن نسعى إلى جمع التبرعات بالطريقة التراجيدية. لن نحتاج إلى التمثيل واستغلال مرضانا من الأطفال والنساء والشيوخ
وفى وسط هذا الخضم من الاكتئاب والابتذال، أرى تجربة تستحق أن نرفع لها القبعة ونحييها.. إنها شركة كوكا كولا فى مصر.. قررت أن تحول ميزانية إعلاناتها فى رمضان فى العام الماضى 2015 إلى تطوير 100 قرية فقيرة وتكتفى بالإعلان عن طريق الفيس بوك وتويتر واليوتيوب.. وأتمنى أن تستمر.
هذا نموذج يستحق الاحتذاء به..
ماذا لو فكرت كبرى الشركات المحمول مثل فودافون التى أنفقت 25 مليونا على إعلانها فى رمضان العام الماضى 2015 «لمة العيلة»، أن تتوقف عن الإعلان فى القنوات الفضائية، لتذهب هذه الملايين لمؤسسة علاجية أو بناء مستشفى وما إلى ذلك
شهر واحد فى العام تتوقف الإعلانات فيه، ويتحول الدخل كله للمساهمة فى بناء مصر، أعتقد أن هذا من شأنه أن يقلل من الأجور الجنونية لكبار الفنانين، فكم الإعلانات التى تتصارع وتتسابق قبل وأثناء المسسلات إذا تقلصت فى رمضان وقتها لن يستطيع هؤلاء النجوم المبالغة فى أجورهم!!
وسيقوم كل فينا بدوره..
مجرد أحلام.