وائل السمرى

مباراة فى الانسحاق

السبت، 14 مايو 2016 07:31 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كيف استقبلنا عظمة النرويج بتدنى حفل السويس؟
إن كنت تبحث عن تجسيد واقعى مرير لكلمة «الانسحاق»، فما عليك إلا أن ترى ما فعله محافظ السويس «أحمد الهياتمى» فى استقبال «ستان أرن روسنس» سفير النرويج، أثناء مناقشة إمكانيات «المحافظة» وصلاحيتها لضخ الاستثمارات النرويجية، فقد استقبلنا السفير الذى أتى من بلاد الكاتب العالمى هنريك أبسن، والفنان الأشهر إدفارد مونك الذى بيعت إحدى لوحاته كأغلى لوحة فى التاريخ بكل ما تحمله كلمة الانسحاق من معنى، وبدلا من أن يقيم المحافظ حفلا حضاريا، يبرز فيه ما تتمتع به البلدين من مشتركات ثقافية وتاريخية، أعد المحافظ المذكور صاحب التصريحات الصادمة حفلا أساء إلى الفن المصرى والثقافة المصرية والحضارة المصرية، بل وامتدت الإساءة حتى شملت بعضا من أطفال مصر الأبرياء، فبدلا من أن يسهم فى الارتقاء بهم وتثقيفهم صورهم كما لو كانوا أبناء «أوكا وأورتيجا»، وورثة شرعيين لشخصية «عبده موتة»، مقدما إياهم وهم يرقصون على أنغام أغنية «الدنيا زى المرجيحة» فى عرض مبتذل هابط.

كان الحفل سخيفا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكنه فى الحقيقة يعكس «صورة مصر» الراسخة فى وجدان هؤلاء المسؤولين، فقديما كانت الثقافة شأنا عاما، وكان توافرها شرطا أساسيا فى كل من يتبوأ منصبا أو يتولى مسؤولية، لكن الأمر اختلف الآن فى ظل غياب المعايير، واضطراب الشخصية واستغناء غالبية المسؤولين عن فكرة «الثقافة والعلم» حتى خرجت صورة هذا الحفل بهذا التردى والانسحاق، الذى لم يقف عند فقرة رقص الأطفال على أغنية «الدنيا زى المرجيحة»، بل تعدى هذا إلى تقديم ما يقرب من سبعين طفلة فى أزياء «هندية»، ليرقصوا على أنغام أغنية «هندية»، فأين مصر من كل هذا؟ وأين تاريخها وأغنياتها وحضارتها وأى انسحاق هذا الذى نعيشه، وأى مرحلة متردية تلك التى وصلنا إليها؟ وإنى أتساءل هنا: ما المقصود من عرض هذا الاستعراض الباهت أمام السفير النرويجى، الذى أتى من بلاد ما زالت تشترط تشبع سفرائها بثقافتها وعلومها لكى يمثلوها؟ هل كان المقصود هو استعطاف السفير النرويجى، فعرضنا أمامه صورة من صور انهيارنا؟ أم كان المقصود توصيل رسالة لبلاده بأن «دوام الحال من المحال»، وأن الدنيا فعلا «يوم تحت وفوق»، فساعدونا لكى نقف بجواركم فى أوقات الأزمات؟

المأساة الحقيقة بالنسبة لى فى الأمر هو أننا بهذا الحفل المأساوى شوهنا صورة «السويس» فى المخيلة النرويجية، فقد خلد أعظم كتاب النرويج «هنريك أبسن» هذه المدينة العظيمة فى أذهان النرويجيين، حينما زار تلك المدينة أثناء الاحتفال بافتتاح قناة السويس ضمن أهم شخصيات العالم، وتكريما له منحه الخديوى إسماعيل وساما ما زال يزين صدر «أبسن» فى أكبر الصور المعلقة فى متحفه، ولهذا ذكر أبسن مصر عامة والسويس بمزيد من الحب والاهتمام فى كتاباته الإبداعية والنثرية، قائلا عن مصر جملة الشهيرة: «لم أشعر بالسلام والسكينة وصفاء الذهن عند غروب الشمس إلا فى هذا البلد»، فبدلا من استثمار علاقاتنا الحضارية الممتدة مع تلك الدولة العريقة تسابقنا فى تقديم آخر صيحات التدنى والابتذال.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة