لا يمكن أن نأخذ تفاهة أحمد آدم فى برنامجه على محمل الجد على الإطلاق.. فالشعوب العربية قادرة دوما على الفرز بين الفنان الجاد والملتزم بالأخلاق العامة ولديه رسالة يسعى لتوصيلها عبر الشاشة الكبيرة أو الصغيرة أو من خلال المسرح، وبين الفنان «البهلوان» «الرقاص» و«الطبال» الذى سقط على الفن فى غفلة من الزمن وبمحض الصدفة والفراغ الذى أصاب الفن المصرى فى سنوات الانحطاط والتدنى والتطفل على الإعلام، لكل من هب ودب، وكل الفشلة والمهرجين وأصحاب الدم الثقيل واللزج.
الكوميديا أخلاق والسخرية فن لا يقدر عليه سوى فنان له تاريخ ويتمتع بالثقافة والذوق الراقى، واسألوا زعماء الكوميديا فى الزمن الماضى على الكسار ونجيب الريحانى وإسماعيل ياسين والنابلسى والقصرى وفؤاد المهندس، وحتى يوسف بك وهبى، حتى تعرفوا كيف كانت الكوميديا فنا وذوقا ورقيا من جيل عظيم من الفنانين الحقيقيين، وليس من مطبلاتية جاءوا من مستنقع الجهل والأمية، ومن ثقافة التهريج والتفاهة، فى زمن الفضاء المفتوح على مصراعيه وبيديه وبرجليه للمتطفلين على الإعلام والفن والإبداع، للتقيؤ بثقافتهم الضحلة وتفاهتهم وسخريتهم المملة، حتى لو جاءت على حساب معاناة شعب شقيق، يعيش مأساة إنسانية حقيقية وهو شعبنا العربى السورى فى حلب الذى سخر منه، ومن دمائه ومأساته اليومية، هذا الـ«أحمد آدم» فى برنامجه، دون وازع من ضمير إنسانى أو رادع أخلاقى، احتراما وتقديرا لشعب يدفع ثمن حريته، من دمائه، ودون ردع من نقابة مسؤولة أو إدارة قناة تذيع مثل هذه التفاهة على الناس وسط ضحكات رقيعة من «كومبارس» فى الاستديو يضحكون بالإشارة والأمر، مهما كانت بشاعة ما يقال.
كيف لمن يمتهن هذه المهنة الراقية ذات الرسالة الإنسانية الراقية.. أو التى نسميها «القوى الناعمة» لمصر لأشقائها العرب شرقا وغربا.. كيف له أن يرقص ويؤدى حركات البهلوان للسخرية والرقص على أصوات وصرخات آهات وآنات شعب يحترق ويموت ويضحى وتسيل دماؤه، كيف سمح له ضميره الإنسانى، مهما كان الجانى والضحية أن يسخر ويتهكم ويغتسل بدماء ودموع الأطفال والنساء والشيوخ فى حلب.
إنه زمن التفاهة والمسخ من أشباه فنانين وأنصاف موهوبين.. فعفوا حلب والمعذرة يا شعبنا العربى فى سوريا، فليسوا هؤلاء من يعبرون عن الفن المصرى الحقيقى الذى انطلق إلى ربوع الشام وإلى المغرب العربى والخليج، برسالة إنسانية سامية تحترم الشعوب، وتقدر مشاعرها، حتى لو كانت عبر الكوميديا.
إنه زمن اللقطاء العابرين، وأصحاب المصلحة والفشلة فى كل شىء.. فلا يقتصر على الفن وحده الذى هبط عليه البلطجية والشبيحة والجهلة.
ويبدو أن للتفاهة أبطالا يمجدونها، كما عبر عن ذلك الروائى التشيكى الرائع ميلان كونديرا فى روايته الأخيرة «حفلة التفاهة».. فكونديرا المعروف بسخريته وعبثيته يمجّـد التفاهة على لسان إحدى الشخصيات قائلا: «تتبدى لى التفاهة الآن تحت ضوء مختلف تمامًا عن ذلك الحين، إنها تحت نور أسطع وأكثـر كشفًا. التفاهة يا صديقى هى جوهـر الوجود. إنها معنا على الدوام، وفى كل مكان. إنها حاضرة حتى فى المكان الذى لا يرغب أحد برؤيتها فيه: فى الفظائع، فى المعارك الدامية، فى أسوأ المصائب».
التفاهة تحررنا من قيـودنا، وتنزع عنّا أقنعتنا الوقورة المدّعية، وتجعلنا ما نحن عليـه فعلًا، تنقذنا من عبوديتنا للمظاهـر.. إنها تيمة كونديرا الخالدة: التفاهة والعبث اللانهائى. وأنه زمن أحمد آدم الذى آن الأوان أن يتوقف وينتهى ويندثر.. وعفوا شعبنا المناضل فى حلب.