فى خطابها الوداعى، قالت رئيسة البرازيل المعزولة «ديلما روسيف»، إن كل ما تتعرض له هو مؤامرة كبرى على مشروعها الذى يحمى الفقراء والعمال من جشع اليمين المتطرف، على أثر شائعات واتهامات باطلة.
قصة عزل «روسيف» لم تحتل فى بعض صحفنا سوى تقرير صغير مجموع كلماته لا يزيد على 300 كلمة، وهناك صحف تجاهلته كليةً، بالرغم من أن الموضوع فى مجمله هو محور اهتمام الصحف العالمية، واللافت فيه أن إجراءات العزل تتم مع رئيسة تنتمى إلى حزب «العمال» اليسارى الذى قدم «لولا دى سيلفا» رئيسا للبرازيل من عام 2002 إلى يناير 2011، وطوال فترة حكمه فرضت البرازيل نفسها على خريطة العالم، فإلى جانب عشق العالم لكرة القدم فيها، تواصل الحديث عن الرجل الذى قاد بلاده إلى أن تحل المرتبة الثامنة فى الاقتصاد العالمى، بعد سنوات طويلة عاش فيها اقتصاد البرازيل مستنزفا من الفساد والرشوة والمحسوبية واحتكار الرأسماليين لثروة هذا البلد الذى يعد أكبر دولة فى أمريكا الجنوبية واللاتينة، وخامس أكبر دولة فى العالم من حيث مساحته التى تزيد على ثمانية ملايين ونصف مليون كم متر مربع، والخامس أيضا من حيث عدد سكانه «200 مليون نسمة».
شاغلنا «برازيل لولا دى سيلفا»، وشاغل العالم كله، وكان ملهما لليسار فى كل الدول التى تعانى من نفس ظروف البرازيل، تعانى من الفساد الذى ينخر مؤسسات الدولة، وتزايد الفقراء يومًا بعد يوم من السياسات الاقتصادية الظالمة، ولم نكن فى مصر استثناء من ذلك، فبعد ثورة 25 يناير 2011 وانطلاق الأحلام العظيمة، تعاظم الحديث عن المعجزة الماليزية، والمعجزة التركية، والمعجزة الصينية، والمعجزة الكورية، ومعجزة مصر فى الخمسينيات والستينيات، غير أن المعجزة البرازيلية كان لها سحر خاص، ومن هنا جاء سؤال: «كيف حدثت؟»، وفرض هذا السؤال نفسه على دوائر البحث والأحزاب والسياسيين والمثقفين والمفكرين، وفى انتخابات الرئاسة عام 2012 اعتبر مرشحها الكبير حمدين صباحى نموذج «برازيل لولا دى سيلفا»، أحد مصادر إلهامه فى الطموح إلى خلق نموذج مصرى قوى اقتصاديا فى سنوات قليلة.
ودع «لولا دى سيلفا» الرئاسة بالدموع فى احتفال جماهيرى حاشد أقيم له، وساند بقوة خليفته «روسيف» وانتخبها البرازيليون لتكون رئيستهم من عام 2011، ولم يكن انتخابها مصادفة، ولم تكن هى سياسية بالمصادفة، فإلى جانب أنها امتداد لـ«دى سيلفا» لها رصيدها النضالى، حيث انضمت إلى الحركة اليسارية المناهضة للحكم العسكرى عام 1964 واعتقلت ثلاث سنوات «مواليد 1947»، ويقود ذلك إلى السؤال الجوهرى: هل عزلها يأتى نتيجة تلاعبها فى حسابات الحكومة حتى تخفى حقيقة العجز الاقتصادى، وذلك كما يقول معارضوها؟ أم أن للقصة أبعادا أخرى؟
هل المعجزة الاقتصادية التى تحققت وقفزت بالبرازيل إلى المرتبة الثامنة عالميا أيام «دى سيلفا» كانت تحمل فى نفس الوقت سبل الإجهاض عليها؟ وهل تدخل أمريكا الجنوبية واللاتينية مرحلة جديدة من استعادة اليمين لنفوذه بعد سنوات من هيمنة اليسار؟
فى حديثها الوداعى من داخل قصر الرئاسة، قالت «روسيف»: «سأظل أقاتل من الحق والعدل والمساواة، فالديمقراطية دائما على الجانب الصواب من التاريخ» وأضافت: «إن أصعب شىء فى الحياة هو معاقبة شخص على جريمة لم يرتكبها، ومن ارتكب الجريمة بالفعل هم من أقالونى، فجميعهم مهدد بالسجن فى تهم بالفساد، وحسابات فى الخارج وتلقى رشاوى»، وبعد أن ألقت خطابها ودعت العاملين فى القصر، فقدموا لها القلوب الحمراء والورد الأبيض مرددين: «لا ترحلى أيتها الحبيبة».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جمجمه جموم
الثورات الملونه الجاهزه وصلت أمريكا اللاتينيه
دماغ