سنوات وعقود نتحدث عن العشوائيات، وأهمية إزالة العشوائيات باعتبارها عارا يفترض إزالته، وسكانها يتعرضون لكل أنواع الإهمال والأخطار، زحام بلا خدمات، وحياة غير إنسانية. وعندما تأتى الدولة وتعلن عن النية فى إنهاء العشوائيات، أن يكون هذا داعيا للتفاؤل، ندعو إلى نقل العشوائيين إلى مجتمعات إنسانية. لكن لأننا فى زمن «عشوأة التفكير» يمكننا أن نتوقع من «خبراء اللاشىء من أجل الـ أى شىء». ومثلما رأينا خبراء الحرائق المفسرة، وقد أشعلوا الدنيا بخليط من نظريات الهلام التآمرى لاستعادة براهين التفسخ الماورائى.. نرى بعض عباقرة «الفراغ المستطيل» وهم يسعون لتفسير قرار إزالة العشوائيات، بأنه مؤامرة على سكان العشوائيات، من أجل طردهم والاستفادة بعشوائياتهم فى أغراض كونية. وهو دليل على أن العشوائية ليست فى المبانى والمساكن ولكنها فى العقول والقلوب.
ومن لا يصدق يمكنه مراجعة النظريات المبهرة، والتحليلات المذهلة للخبير المعمارى والناشط الاكتوارى الدكتور ممدوح حمزة الذى رزع تويتة اعتبر فيها تطوير ونقل العشوائيات جزءا من مخطط شيطانى، وقدم فى نظريته التوتالية العمرانية تحيلا برمائيا يجمع بين الشيطنة والكعبلة، ويتوقع عملية تهجير ربما قسرى لتفعيل مخطط القاهرة 2050 وهو إخلاء شرق النيل.. ضمن ما أسماه «تخطيط شيطانى تم إعداده بأوامر من الخارج بهدف إخلاء شرق النيل فى القاهرة الكبرى لخدمة الحلم الصهيونى من النيل للفرات.. بل إن ممدوح وحمزة اعتبر «نقل العاصمة.. وخلخلة العشوائيات، ومثلث ماسبيرو، ضمن هذا التخطيط العميق. وهو طبعا مقتنع بالتحليل الأعمق الذى استنتج أن غرفة التخطيط المحترقة بمحافظة القاهرة تحتوى على كل وثائق القاهرة وتخطيطها - وهو التحليل الرهيب الذى أشرنا إليه وردده وسار خلفه بعض عباقرة الافتراض التهاويمى، ممن لم يسمعوا عن الميكروفيلم، ولا نقحت عليهم قريحتهم ليسألوا لماذا يتم حفظ وثائق خطيرة ومهمة فى «أوضة» بمحافظة القاهرة. وما هو دور دار المحفوظات والوثائق؟.. إنها عشوائية المقدمات التى تقود إلى عشوائية التحليلات.
وقد تصورت أن هناك من يفترى على الخبير ممدوح، حتى تأكدت أن هذا التحليل العبقرى على حسابه، وأنه منقول من بنات و«خالات» أفكار عفيفى الراعى الرسمى لتهاويم المؤامرات، واحد أهم اشتغالات التفكير العشوائى.. دعك من أن الدكتور حمزة لابد أنه أخبر الدكتور ممدوح أن شرق النيل الذى يتحدث عن مخطط إخلائه هو كل العاصمة، وأن إخلاءه يعنى تهجير كل المصريين، طبعا لم يكن مهما أخذ الدكتور ممدوح بجدية، لكن المفارقة أن هناك من لا يعانون من أعراض ممدوح، يأخذون مثل هذه التهاويم بجدية. ويستهلكون هراء الشائعات بكثافة، ليعتبر إزالة العشوائيات مخططا شيطانيا، وهو نوع من التفكير «عشوأة العشوأة».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة