ونظرا لمرور عامين كاملين من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، أى نصف حكمه بالتمام والكمال، صنع من «المعجزات» ما لم يتخيلها أعدائه قبل أصدقائه، ونظرا لحجم المشروعات، والمدة الزمنية القصيرة جدا فى التنفيذ، يمكن الدفع بها فى موسوعة «جينس للأرقام القياسية»، دون مبالغة، شاء من شاء من المؤيدين، أو أبى من أبى من المعارضين والكارهين.
النجاح المذهل فى إنهاء المشروعات الكبرى، سار جنبا إلى جنب فى مسار إعادة دور مصر الريادى والمؤثر فى محيطها الإقليمى والعربى، وأن تكون رقما صحيحا فى معادلة التوازنات الدولية، ثم بدأ الرئيس فى محاولة لملمة النخب، بدعوة الأحزاب المدنية «الهشة» للاندماج وتشكيل كيانات قوية، أو منح الشباب فرصة الانطلاق فى الشارع، أو أن يتقدم المثقفون الصفوف لتشكيل وعى الأمة، بدلا من تفرغهم فقط لتجارة الكلام وتدشين مصطلحات تتعارض وتتقاطع مع قيم وتقاليد المجتمع، وكأن المثقف العبقرى، لا بد له أن يتقاطع مع كل القيم الدينية والوطنية والأخلاقية، مع أن العمود الفقرى لأصل الحضارات هى «القيم الأخلاقية».
استغراق الرئيس فى اجتماعات مع النخب وبعض النشطاء من شباب الثورة والمناضلين على مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك وتويتر» من رواد مقاهى وسط القاهرة، الذين يحملون من الكراهية لمؤسسات بلادهم ما يئن عن حملها الجبال، ومن ثم فإن هؤلاء لن يرضوا عن الأداء حتى ولو دخلت مصر فى عهد السيسى عصر الفضاء، وأصبح الرخاء يعم البلاد، فى الوقت الذى كان شباب المحافظات المختلفة بعيدين عن المشهد.
وبالعودة للتاريخ، نجد كل تلك النخب تتقاطع وتعمل ضد مصر، منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى عارضته النخب حينذاك باستثناء الكاتب الصحفى «محمد حسنين هيكل»، فأعطى «ناصر» ظهره لهم، وشق طريقه فى احتضان شعبيته من العمال والفلاحين، وسخر نفسه لخدمتهم، ولا يترك مناسبة إلا ويجتمع بهم، ويزورهم فى حقولهم، وفى مصانعهم، فكانت شعبيته طاغية، وحقيقية غير مزيفة.
أما الشاهد القوى والفاعل على أن النخب دائما لا تبحث إلا عن مصالحها الشخصية، وحب الظهور والوجود فى بؤرة الأضواء، فتمثلت فى معارضتهم القوية للرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتحديدا بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، فى 17 سبتمبر 1978، ولم تسانده حتى بعد ردود الفعل الغاضبة من الدول العربية والمتمثل فى دعوة العراق بعقد قمة لجامعة الدول العربية فى بغداد يوم 2 نوفمبر 1978 رفضت توقيع المعاهدة، وقررت تعليق عضوية مصر، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة.
ووظفت النخب السياسية والمثقفة فى مصر، توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وشنوا هجوما ضاريا ضد «السادات»، وتوحدت صفوف الناصريين والإخوان لمصلحتهم، لإسقاط بطل الحرب والسلام، الذى سبق عصره وأوانه، فكانت الافتة الرائعة والذكية والشجاعة، أن يذهب السادات إلى مقر شعبيته الحقيقية، غير المزيفة أو المتلونة وخالية من كل دسم النفاق والرياء والمزايدات والمنفعة الخاصة.
توجه الرئيس السادات إلى سوهاج، وتحديدا مركز «أولاد طوق» بدعوة حينذاك من شاب ذكى ولماح، وهو الدكتور محمد عبدالحميد رضوان، الذى كان يشغل حينها مقعد وكيل مجلس الشعب، وأمينا مساعدا للحزب الوطنى، للمشاركة فى مؤتمر شعبى حاشد، وتناول الغذاء على «الطبلية».
ووجه محمد عبدالحميد رضوان دعوة مكتوبة لزعماء عائلات وقبائل الهوارة فى قنا وسوهاج، وأولاد خلف، وأولاد خليفة، وأولاد سالم، وغيرها من القبائل الكبيرة والمؤثرة، نصها: «يتشرف محمد عبدالحميد رضوان وكيل مجلس الشعب، والأمين المساعد للحزب الوطنى الديمقراطى بدعوة سيادتكم لحضور المؤتمر الشعبى المقام بمناسبة تشريف السيد الرئيس محمد أنور السادات، رئيس الجمهورية، لمركز أولاد طوق، وذلك يوم الجمعة الموافق 13 إبريل 1979».
وبالفعل احتشد رموز جنوب سوهاج وشمال قنا، فى مؤتمر حاشد، أبهر «السادات» شخصيا، الذى ألقى كلمة قال فيها نصا: «شعب سوهاج الحبيب، لكم منى كل تحية، ولن أنسى أبدا ما عبر عنه شعب سوهاج الحبيب من مودة لى اليوم»، ثم قرر وكيل مجلس الشعب، الشاب «محمد عبدالحميد رضوان، تغيير اسم المركز من «أولاد طوق شرق» إلى مركز «دار السلام» اعترافا وتقديرا وتأييدا لمبادرة السلام وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد.
هذا المؤتمر الذى نقلته كل قنوات التليفزيون المصرى حينذاك، كان رسالة قوية للداخل والخارج، بأن الرئيس السادات، يتمتع بشعبية كبيرة فى وطنه، بعيدا عن النخب الفاسدة والمفسدة التى تعارض وتناهض اتفاقية كامب ديفيد، وعاد السادات من الصعيد منتشيا ومتفائلا بأن شعبيته فى أعماق البلاد، فى قلب الصعيد، مثلما هى فى قلب الدلتا.
وللحديث بقية.
دندراوى الهوارى
الرسالة الثانية لـ«السيسى»..لكم فى ناصر والسادات أسوة حسنة «2»
الثلاثاء، 17 مايو 2016 12:00 م
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة