هل هناك فرصة لإحياء القومية العربية؟
يطرح المفكر الكبير الدكتور جلال أمين سؤالا مهما هو، هل هناك فرصة لإحياء القومية العربية، فى هذا العالم الذى تزيد فيه سيطرة الأهداف الاقتصادية على حياتنا يوم بعد يوم؟.السؤال جاء ختاما لمقال مهم فى الزميلة الأهرام: «ماذا حدث للقومية العربية؟» أمس الأول الاثنين، وبالرغم من أن الدكتور جلال لا يربط سؤاله ولا مقاله بذكرى مرور مائة عام اتفاقية «سايكس بيكو» «16 مايو 1916»، إلا أنه يأتى فى توقيته تماما، من حيث إن القومية العربية تتناقض مع هذه الاتفاقية التى أعادت رسم خريطة الشرق الأوسط، ووضعت حدودا مصطنعة تم بمقتضاها إلى تقسيم الوطن العربى إلى دول هى التى نراها الآن، وربما نراها أكثر فى المستقبل بفعل تقسيم جديد لما هو مقسم يقوم على طائفية بغيضة كما هو موجود الآن فى لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وليبيا.
منذ أن تحول الوطن العربى إلى كيانات إقليمية لها حدود معظمها متنازع عليه حتى الآن، ونحن ندفع ثمن ما صنعه غيرنا فينا، كما أننا دخلنا فى تجارب سياسية مختلفة، من ليبرالية إلى اشتراكية، وعودة إلى ليبرالية محكومة باقتصاد رأسمالى مستغل، ثم محاولة فاشلة لقوى الإسلام السياسى، ولكل تجربة من هذه التجارب خصوصيتها فى كل بلد عربى، مع الأخذ فى الاعتبار أننا لا نجد بلدا عربيا واحدا طبق الليبرالية كما ينبغى، ولا طبق الاشتراكية كما ينبغى، فالكل سار فى تجربته دون تطبيق الديمقراطية بمفهوم الانتقال السلمى للسلطة كما يحدث فى ديمقراطيات الغرب.
ارتبطت حالة القومية العربية بهذه التجارب السياسية سلبا وإيجابا، فهى مع الحالة الليبرالية لا تبدو قوية، فى حين تبدو أكثر قوة مع الحالة الاشتراكية ومن هنا أخذت مرحلة ازدهارها فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى التى انتهجت فيه الدول العربية المؤثرة نهجا اشتراكيا وفى طليعتها مصر وسوريا والعراق والجزائر، فهل بالقياس التاريخى تزدهر القومية العربية فى ظل منظومة اشتراكية؟ وبالطبع سيكون هذا السؤال عبثيا فى ظل اندثار الاشتراكية عالميا كنهج بمفاهيم الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، كما أن الإجابة عنه ستكون: فناء القومية العربية إذا ربطنا مصيرها بمصير التطبيق الحتمى للاشتراكية، ويقودنا ذلك إلى البحث عن الأسباب الأخرى لازدهار القومية العربية فى سنوات معينة فى الماضى، ومن ثم إمكانية وجود فرصة لازدهارها مرة أخرى.
الاستدلال بالتاريخ مهم فى هذه القضية، ومنه سنجد إحالات أهم للمستقبل، فازدهار القومية العربية فى الخمسينيات والستينيات لم يكن مربوطا بالاشتراكية كنهج، بالرغم من أن هناك من يصر على جمع الاثنين فى بوتقة واحدة على طريقة الربط الأبدى بينهما.
الازدهار جاء لأن هناك زعامة فذة بقيمة جمال عبدالناصر هى التى آمنت بالقومية العربية كنهج حتمى يجعل من العرب قوة مؤثرة على الصعيد الدولى والإنسانى والحضارى، كما أنه حاول أن يجعل من هذا الإيمان فعلا حقيقيا على الأرض، وبالرغم من أى انتكاسات حدثت إلا أن إنكار هذا التأثير لا يذكره إلا جاحد وكاره، وبالطبع فإن زعامة جمال عبدالناصر بنهجها القومى العروبى لم تكن كما كانت إلا بمصر بثقلها الحضارى والتاريخى والريادى للمنطقة، والدليل أن الدول العربية التى سارت على النهج القومى بعد رحيل عبدالناصر لم تعوض غياب مصر عن الصف العربى بعد نهج السادات فى الصلح مع إسرائيل، والتحول إلى نهج فقدت مصر بموجبه قيادة المنطقة تزامن معه تراجع داخلى كبير فى الاقتصاد والسياسة.
يقودنا ذلك إلى ما آراه إجابة عن سؤال الدكتور جلال أمين وهى، أن فرصة إحياء القومية العربية لن تتحقق إلا بمصر شعبا وقيادة مؤمنة بعروبتها قولاً وفعلاً، وفى ظل ديمقراطية صحيحة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة