مهما حاولنا التحرر من أصولنا وطبائعنا وجذورنا، سنلف وندور وفى النهاية، سنكتشف أن جيناتنا الوراثية بالقطع ستتحكم فينا، ولو بقدر، لذا فإن الإنسان ليس بالضرورة أن يشبه والديه تمامًا، وإنما لابد وأن يتشابه معهم فى بعض طبائعهم ولزماتهم، ومن يحاول التحرر من ذلك لن ينجح، لأن كل إنسان لابد أن يعود إلى أصله، ونحن لا تتوقف جيناتنا فقط عند حد الأسرة والعائلة، وإنما تصل أيضا إلى البلد التى ترعرعنا فيها، والدولة التى ننتمى إليها، فنجد الكثيرين الذين يحاولون تغيير ملامحهم بعمليات التجميل وغيرها، وأيضا بالتحدث بلغات ولكنات أخرى، ولكنهم مهما برعوا فى ذلك، فلابد وأن يظهر التباين الشديد بين ما اصطنعـوه، وبين أصحاب هذه الصفات الحقيقية، فنحن فى النهاية لابد وأن نعود إلى جذورنا، لأننا نشأنا عليها، ولن نستطيع أن نمحوها مهما فعلنا.
وكما قال المثل: "ابن الفار فحار"، وأصل هذا المثل يعود إلى أسطورة مفادها أن شيخًا مسنًا تعود أن يخرج للوضوء فجرًا خارج البيت، وفى أحد أيام الشتاء القارس، وجد فأرة صغيرة ترتعد من البرد، فأشفق عليها، وحملها معه إلى منزله، وأخذ يعتنى بها، حتى كبرت، فدعا الشيخ ربه أن يحول هذه الفأرة إلى فتاة جميلة، لتعيش معه، وتؤنس وحدته، فاستجاب الله له، وتحولت الفأرة إلى فتاة صغيرة جميلة، وعندما بلغت سن الزواج، اشترطت على الشيخ أن يكون عريسها أقوى المخلوقات، ففكر الشيخ واهتدى إلى السحاب الذى ينزل المطر من السماء، وسأله: "هل أنت أقوى المخلوقات ؟ " فقال السحاب: "لا، الريح أقوى منى، لأنه يحملنى من مكان إلى آخر"، فذهب إلى الريح، وسأله: "هل أنت أقوى المخلوقات؟" فرد الريح: "لا، الجبل أقوى منى، لأنه يمنعنى من المرور، ويصدني"، فتحيـر الشيخ، وذهب إلى الجبل، فقال له: "هل أنت أقوى المخلوقات ؟ " فقال: لا، الفأر أقوى منى، لأنه يستطيع أن يحفرنى ويخرقنى من جهـة إلى أخرى" فذهب الشيخ إلى الفأر، وقال له: "هل أنت أقوى من الجبل ؟"، فقال: "نعم"، فرجاه أن يكون عريسًا للفتاة، لكنه اعتذر بحجة أنها إنسان وهو فأر، وقال له: "ادع ربك أن يحولها إلى فأرة، ليتسنى لى الزواج منهـا"، فدعا الشيخ ربه أن يرجعها إلى سيرتهـا الأولى، وعندئذٍ تزوجت الفأر، فقال الشيخ: "ابن الفار فحار"، لأن كل شىء لابد وأن يعود إلى أصله، ولا يمكنه أن يخالف الطبيعة، لأن هذه هى سنة الحياة.
لذا، مهما حاولنا تغيير أشكالنا وطبائعنا، وأماكن معيشتنا، فلا ريب أننا سنعود فى النهاية إلى سيرتنا الأولى.
د. داليا مجدى عبد الغنى