التقيت بالدكتور سعد الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر فى ندوة عقدتها اللجنة الثقافية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان حول حرية الرأى والتعبير بين الدولة والمجتمع، وتفضل الرجل بأن صافحنى قبل أن يطرح مداخلته.
وحاضر فى تلك الندوة الأنبا أرميا، كما حاضر عماد الدين أبو غازى وزير الثقافة الأسبق، وقد خرجت لصلاة المغرب ولم أسمع مداخلة عماد أبو غازى، بينما بقيت متابعا لما طرحه سعد الدين الهلالى، وفى الواقع فإن أطروحات الرجل بدت كما لو كانت أقرب للعصف الذهنى منها إلى العمل العلمى الرصين الذى انتهى فيه صاحبه إلى خلاصات نهائية مستقرة فى عقله واضحة فى نفسه.
يبدو الرجل رافضا لما اعتبره استقلالا للأزهر ولشيخه، وخلط بين استقلال المؤسسة وشيخها، وفكرة الكهنوت التى تعنى قولا واحدا للمؤسسة تفرضه على الناس، ونحن نعرف أن الإسلام لا يعرف الكهنوت، لأنه مرتبط بالكاثوليكية على وجه الخصوص، حيث يكون الكاهن واسطة بين الخالق والمخلوق، ويمنحه البركة وتسقط ذنوبه بمجرد اعترافه، لكن المؤسسة الأزهرية واستقلالها مطلوب، وأنا أقول إن مسافة محسوبة ومقدرة بين المؤسسة وبين السلطة مطلوبة لتتخذ مواقف مستقلة عنها وليست مواقف تبريريه، لأنها مؤسسة للأمة وليست للسلطة، وأن استقلالها مرهون بعودة أوقافها إليها، وحتى لو كان للأزهر ميزانية فى الدولة، فذلك لا يعنى رهنه بالسلطة الحاكمة كشأن المؤسسات الأخرى القضائية والإعلامية وغيرها.
وتحدث الدكتور سعد الهلالى عن فتح أبواب الاجتهاد على مصراعيها، ونحن معه فى ذلك، بيد أن ذلك مرهون بتخصص علمائى دقيق، أنا أذهب إلى أن يكون القائمون عليه حاصلون على شهادات علمية من جامعات متخصصة فى علوم الشريعة والدين، وتقديرى أن المتصدر للاجتهاد يجب أن يكون قد حصل على شهادة الدكتوراه فى الشريعة وعلومها. بدا حديث الهلالى وكأنه يدعو إلى الاجتهاد الحر غير المؤسس على قواعد أصولية ضابطة له تنتج فتاوى يبدو فيها شخصية المجتهد وليس علمه هو الأمر الغالب.
ومن المعلوم أننا فى مصر نواجه فوضى التصدر للفتيا من غير المتخصصين، ولا أعرف كيف يذهب أزهرى ورئيس قسم الفقه المقارن فى الأزهر إلى دعوة مفتوحة لاجتهاد يجعل كل من هب ودب يخرج علينا بفتاوى غير مؤسسة على موضوع علم الشريعة والفقه، وهو علم متخصص وله قواعده وأحكامه كما هو الشأن فى العلوم القانونية وحتى فى العلوم الاجتماعية.
بيد أن الرجل وضع ثنائيات مربكة فى حديثه مثل ثنائية الفقه / القانون، وقال بوضوح، إن القانون محكم ومن ثم فإن بالحكم بالقانون هو أفضل من الحكم بالفقه، ومن المعروف أن عملية التقنين أى فن كتابة القانون يقوم عليها أهل صنعة القانون فى الصياغة، فعبدالرزاق السنهورى مثلا الذى حاول أن يقرب بين الشريعة والقانون كان يترجم ما يريد كتابته بالعربية إلى الفرنسية ليستلهم طريقة الصياغة ثم يعيد كتابته بالعربية، وهو يضمن ما يكتبه قانون روح الشريعة وجوهرها كما فعل فى القانون المدنى، وجعل الشريعة الإسلامية فى القانون المدنى أحد مصادره بعد التشريع والعرف، وأشار إلى أن الفقه الإسلامى تضمن جوهرا متقدما وطالب بأن تكون الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، فكيف نقول القانون محكم والفقه بشرى، ومن ثم يبدو حديث الرجل وكأننا نستغنى عن الشريعة بالقانون الذى هو فى الأساس صناعة فرنسية بالأساس، وقد تحدث بعض العلماء عن تأثيرات المالكية على قوانين بونابرت، خاصة ما يتصل بالمصالح المرسلة والاستصحاب والاستحسان وغيرها.
طبعا الفقه بشرى، أى أنه هو عمل الفقيه فى فهمه وحواره للنص، وتقريبا هذه مسألة مستقرة بحيث نجد لدى الأصوليين والفقهاء تمييزا بين مفهوم الشريعة والفقه الذى هو نظر الإنسان فى تلك الشريعة، ليس معنى بشرية الفقه أننا نهمله لكننا لا نقدسه بمعنى ألا نراجعه، خاصة فيما يتعلق بالجانب المتغير فى الفقه المتصل بقواعد القتال والسلام والأسارى والجزية والغنائم والخراج وغيرها.. وللحديث تتمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة