رغم أن بعض الناس تلخص النظام الاقتصادى الوسطى فى تقليص دور القطاع الخاص، إلا أنه ليس من الضرورى أن نخلص نحن نظامنا الوسطى الجديد والذى تبناه الرئيس السيسى فى كلمة مثلهم، إن نظامنا فى الواقع يجمع بين نظام فيه ملكية خاصة وملكية عامة.
فالنظام الاقتصادى الجارى فى مصر الآن، وبالتالى جملة السياسات الاقتصادية المطبقة تباعاً، فيها مجال لمصلحة الفرد (أى القطاع الخاص) ومجال لمصلحة الجماعة (القطاع العام) ، وإذا أردنا أن نلخصه فيمكننا أن نلخصه فى أكثر من نقطة، فهو نظام يهدف إلى تحقيق مصلحة الشعب كما يحرص على مصالح الأفراد، ويعتمد فى ذلك على تحديد خطة قومية شاملة تحدد وتوجه العام والخاص إلى صالح الاقتصاد القومى مع المحافظة على الربح العادل للخاص منه. مع إطلاق إشراف الشعب ، بموجب الدستور ، على جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال مجلس لنواب الشعب، وهو ما يؤكد أن الهدف الثانى بعد النمو الشامل، أن نحقق العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وهى كلها أمور نادت بها ثورة 2011 وأكدتها ثورة 2013.
إن كل النظم الاقتصادية تعتقد أنها تحقق العدالة الاجتماعية ، كلاً بطريقته، فالرأسماليون يرون أن هذا يتحقق من خلال مصلحة الفرد، وعندما تتحقق مصلحة الفرد تتحقق مصلحة الجماعة، لأن الجماعة موجودة من الأفراد. بينما الاشتراكيون الأقرب إلى الشيوعية يرون أن العدالة الاجتماعية تتحقق فقط من خلال مصلحة الجماعة على حساب الفرد.
أما نحن فى مصر الآن، فنرى فى نظامنا الحالى الحل الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال نظام يجمع بين الفرد والجماعة، لأننا نرى أن منطق الفرديين خطأ فى أن العدالة الاجتماعية تتحقق لو أخذ كل فرد ما يستحقه ، وما يستحقه هو أن نطلق لكل فرد العنان دون رقابة ، حتى أنهم فى
وقت من الأوقات صوروا الضرائب التصاعدية على أنها ضد العدالة الاجتماعية . كيف ذلك وهم الذين ادعوا أن الدولة تحمى مصالح الفرد والمجتمع وتحمى الفقراء.
ومن واقع تطبيقاتنا فى مصر منذ فترة الرئيس الراحل السادات وحتى نهاية حكم الرئيس الأسبق مبارك يمكن أن نقول فى هذا الصدد إن هذا النظام الرأسمالى المطلق العنان بطبيعته قد أدى إلى الصراع الطبقى ، بحيث أصبح عندنا أغنياء وفقراء وتقلصت الطبقة الوسطى حتى كادت أن تنعدم.
ولا أريد الاطالة فى شرح النظام الاشتراكى الأميل للشيوعية ، لأنه نظام أثبت فشله فى التطبيق، والذى يلغى كل الطبقات لأنه يلغى الملكية الفردية، بحيث يصبح المجتمع طبقة واحدة ، ويصبح كل الناس عمال، وتذوب كل الفوارق بين طبقات المجتمع.
أما نحن فالتطور الذى لحق ثورة يونيو 2013 نادى بتقريب الفوارق بين الطبقات، إقراراً لمبدأ العدل الاجتماعى، أى نأخذ من الأغنياء لنعطى الفقراء مع بقاء طبقات المجتمع كما هي، ويتضح أكثر من السياسة الاقتصادية هذا العام أن هدفها أن يعمل القطاع الخاص أكثر بحيث تتغير القيم الاجتماعية نفسها، فليس الفكر لدى إدارة الدولة أن تخفض ثورة الأغنياء، بل منهجها هو التقريب فقط بين طبقات المجتمع المختلفة، بحيث نقضى على تناقضات اجتماعية موروثة من وجود طبقة تملك ولا تعمل وطبقة تعمل ولا تملك.
ويمكن أن نخلص من ذلك أن الهدف الأسمى لأى بلد ترمى إلى النمو والتقدم هو أن نحول جميع أعضاء المجتمع إلى مجتمع عامل ( مجتمع المنتجين) بحيث أن نعمل جميعاً حتى لو كنا نملك.
وبهذا فالنظام الاقتصادى المصرى لم يقض على شيء إنما غير أشياء ، وأنشأ أشياء ، فليس من الضرورى أن نلخص نظامنا فى كلمة ، إنما نستطيع أن نلخصه بالمبادئ المنصفة لكل الشعب المصرى فى جملة "العدالة لمجتمع الملايين". ولا ينتهى الأمر إلى بيع عدد من القطاعات الاقتصادية المملوكة للدولة وصرف إيراداتها، كما كان الأمر فى الماضى، فى سد عجز الموازنة أو تعويضات المعاشات المبكرة .
• استاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة