دعاء مأثور لدى المصريين "اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا منها سالمين"، منتهى الراحة أن تستلقى فى إيمان وراحة توزع أدعيتك عن ظهر قلب مؤمن، وتطلب من الله أن يهلك من ظلمك، لتحصل بعد التدخل الإلهى لصالحك على حقوقك المنهوبة.
أتذكر وأنا فى مرحلة الشباب أن دار بينى وبين أحد الشيوخ حوارا لم أنسه رغم السنوات التى مضت، كان الشيخ يعبر الطريق ويتعثر خوفا من السيارات، فأخذت بيده لأعبر به أثناء سيرنا، مرت أمامنا سيارة مسرعة شديدة الفخامة، فنظر إليها العجوز نظرة تأمل وتألم، وقال لى: "تلاقيه حرامى من بتوع يومين الانفتاح دول"، قررت أن أهون عليه ببضع كلمات من تلك التى تلائم الشيوخ وأصحاب الأعمار المتقدمة، وتهدئ من نفوسهم، فقلت له: "يا جد يغور الحرام ده حتى بياكل معاه الحلال وما بينفعش"، وما أن انتهيت من كلماتى المدثرة فى ثوب الحكمة، حتى سحب العجوز يده من يدى قائلا بصوت عال: "بلاش تخريف ومنظرة بقى، مين اللى قال إنه ما بينفعش ماهو شغال أهو آخر حلاوة، وانا بعد العمر والشغل ده كله، عمال أتحنجل على دراع واحد غلباوى مش فاهم حاجة، وابن الحرام راكب عربية آخر موديل، بلاش بقى نفضل نضحك على بعض كتير، بينفع يا مفتح وبيروق اصحابه، واتفضل امشى كفاية بقى أنا وصلت لمحطة الأتوبيس خلاص"!.
لا تكذبوننى لو قلت لكم إننى مازلت أشعر بالاندهاش كلما تذكرت كلمات الشيخ، فثمة فرق بين دعاوى الترغيب فى الأمانة والعيش بحلال، وبين الارتكان إلى الاحتفاظ بالحقوق على الالتزام الفردى بالشرف والأمانة والتوكل على من يعيد الحقوق.
الواقع العملى يؤكد أن هؤلاء الظالمين والنهابين والمنتهكين أكثر الفئات بذلا للجهد وعملا للحصول على حقوقهم ونهب حقوق الآخرين، بينما أصحاب الحقوق والمنهوبين هم أقل الفئات جهدا للحفاظ على كرامتهم واستعادة حقوقهم، حتى إننا نستطيع القول بيقين إن هناك من يسرق وينهب بعرق جبينه، بينما يعيش أصحاب الحقوق كسالى مستلقين يلعقون جروحهم، ويلقون بأمانيهم وآلامهم فى معكسر القادر الذى يعيد الحقوق، البعض يراه فى الرب الخالق العادل والبعض يراه فى زعيم قوى يستظل بظله فى الدنيا.. ولهذا تجد صورة الثورة فى بلادنا صورة باهتة مشوهة، ومعناها ملتبس وبعيد كل البعد عن الحقيقة.
الثورة يا سادة عمل وليست قولا، الثورة فعل وليست أمانى، الثورة شقاء وتضحية وإيثار، الدين لله والثورة للشعوب .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة