لماذا لا نتعلم من اليايان ومركب خوفو؟
لن نمل الحديث عن التجربة اليابانية وطرقها القويمة فى صناعة دولة نفضت عنها رماد الحرب والاحتلال، وأصبحت ماردا قويا بين الدول الكبرى يخشاها الجميع، ويعرف قدرها وقيمتها، وطوكيو صنعت ذلك بتعلمها من التجربة، ولكونها اعتمدت على العلم والعقل والتفكير وبناء الاقتصاد، وصار الاجتهاد والمتابعة والإصرار سمة طبيعية فى الإنسان اليابانى ومؤسسات الدولة.
هذا الكلام له مناسبة، ففى مصر تشارك اليابان فى «ترميم مركبة خوفو الثانية» وطريقتها فى التعامل مع هذا الحدث لافتة للنظر جدا، فعلينا فقط أن نراقب الجمل التالية، التى هى عبارة عن مجموعة من عناوين الأخبار (وفد من «الجايكا» يزور مركب خوفو الثانية، زيارة رئيس بعثات جامعة واسيدا اليابانية لمركب خوفو، ننشر كلمة السفير اليابانى بدفتر «vip» خلال زيارته لمركب خوفو، سفير اليابان وزوجته يتفقدان مركب خوفو الثانية، 15 مديرا من منظمة الجايكا يزورون مركب خوفو لمتابعة أعمال الترميم، زيارة مدير متحف طوكيو لمركب خوفو الثانية وأبوالهول، عمدة هيروشيما يزور مركب خوفو ويوقع اتفاقية مع محافظة الجيزة)، لكم أن تتخيلوا أن هذه هى بعض عناوين الأخبار التى نشرت فى الشهور الخمسة الماضية فقط فى الصحف المصرية تعليقا على بعض الزيارات، التى قامت بها الجهة اليابانية لمتابعة أعمال الترميم فى المركبة الأثرية، حتى نتأكد كيف يفكر اليابانيون.
لسنا فى حاجة لنتحدث عن مفهوم المتابعة فى مصر، هذا إن حدثت أصلا، فهنا ربما نبدأ فى المشروع العظيم بخطة جيدة، وندشن له بشكل يليق به ثم ننسى ما قدمت أيدينا، وتمر أيام وشهور وسنوات حتى تصير الأفكار الجيدة مجرد أطلال ضيعها الزمن، ويتم السلب والنهب بعيدًا عن أعين الرقابة التى تكتفى بالأوراق «المستفة» والوعود المعسولة الممتلئة بالسراب، فقط علينا تذكر كم مشروعا مر بهذه الحالة، ولعل الجميع يتذكر جيدا «مشروع توشكى» فى التسعينيات وكم الأحلام التى أصبحت مجرد ذكريات، وصار الحدث مجرد أفكار قديمة يحاول العقل طمسها وتناسيها والبحث عن أسباب خارجية للفشل، كما أنه يعكس بالضبط كيف تضيع الأحلام تحت صخرة التراخى وغياب المراقبة والمتابعة.
ولنا أن نتخيل إن كانت اليابان بسبب مشاركتها فى ترميم إحدى القطع الأثرية تفعل كل ذلك، كيف تدير وتتابع وتراقب المشروعات الأخرى الكبرى، التى تخصها تماما، والتى تعود بالنفع المباشر على شعبها ودولتها، وعلينا أن نتعلم منها ذلك، أن نحب ما نملكه، وأن نظهر دورنا فيه، وأن نراقبه مراقبة الفاهم، وليست مراقبة المعطل والمانع، ولا حرج فى الأمر، فالقيم جميعها يمكن اكتسابها بالعزيمة والإصرار.