غنى عن القول أن مصر بعد 30 يونيو، أى بعد رفضها التسليم بالمشروع الصهيو أمريكى للمنطقة جنوب وشرق البحر المتوسط، قد فتحت على نفسها جبهات لحروب عدة مع الاستعمار الجديد ووكلائه وأذنابه ، من بريطانيا إلى تركيا وقطر، وأن هذه الجبهات مفتوحة فى مواجهات عسكرية حدودية مع بؤر الإرهاب ومؤامرات أجهزة المخابرات العدوة، كما أنها مفتوحة بوضوح على ميادين السياسة والدبلوماسية الدولية والاقتصاد والمجتمع المدنى وتجمعات المصريين فى الخارج.
وزاد من سعار هذه الحروب المفتوحة على مصر فى كل المجالات أمران جوهريان، الأول هو قدرة مصر على المناورة وإيجاد بدائل للعلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية التى يتم تدميرها بفعل فاعل لممارسة الضغوط على الإدارة المصرية وإجبارها على التسليم والتحرك من داخل المشروع الصهيو أمريكى للمنطقة، والأمر الثانى هو الدراسات المسحية للثروات الطبيعية الهائلة الكامنة فى الأراضى المصرية ومياهها الإقليمية، التى باتت الإدارة المصرية على وعى كامل بها وتتحرك نحو استغلالها بالشكل الأمثل لتحقيق خارطة التنمية المرسومة.
نجاح المناورات المصرية حتى الآن للإفلات من الضغوط الأمريكية والبريطانية وألاعيب ذيولهما بادٍ للعيان، وواضح كيف رفضت مصر لى ذراعها عندما أوقفت إدارة أوباما توريد طائرات إف 16 أو صيانة مروحيات الأباتشى، وسارعت بعقد صفقات بديلة مع عدة دول فى مقدمتها روسيا وفرنسا وألمانيا، كما سارعت بتعيين حدودها البحرية مع قبرص واليونان، لبدء التنقيب عن الثروات المصرية فى البحر المتوسط، وبالفعل تم اكتشاف مجموعة حقول عملاقة فى امتياز شروق، والمقرر أن يعيد النظر فى خريطة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول أوروبا كلها المتعطشة للغاز البديل لمشروغ الغاز الروسى المتوقف.
لكن ،لا يمكن القول أن مصر حسمت الحروب على جبهاتها المفتوحة، كما لا يمكن القول بأن عرّابى المشروع الصهيو أمريكى للمنطقة قد أقلعوا عنه، بل يواصلون الضغط لتمريره بوسيلة أو بأخرى، وهنا للأسف الشديد، تظن بعض الدول العربية أن الإدارة المصرية فى موقف ضعف أو أنها يمكنها التفريط فى حقوقها التاريخية، فتبدأ الضغوط لتحقيق نصر سياسى أمام شعوبها لتعويض إخفاقات جذرية، أو اعتمادا على منطق الهروب للأمام بافتعال الخلافات مع مصر،و فى هذا السياق تأتى المطالبات السودانية لمصر بالتنازل عن حلايب وشلاتين، المثلث الذهبى جنوب شرق البلاد، بدعوى أنها أراض سودانية.
الرئيس السودانى ووزراء مقربون يكررون نغمة استعادة حلايب بكل الطرق، ويلوحون بالشكوى للأمم المتحدة واللجوء للتحكيم الدولى، كما يوسطون دولا عربية لعقد اجتماعات حول القضية وحث الحكومة المصرية على التفاوض حول الملف، للوصول إلى صيغة وسط، وهو أمر غير مقبول حتى طرحه للنقاش، فلا يمكن التفاوض من حيث المبدأ على أراض من الثابت تاريخيا وبحكم إعمال السيادة لسنوات طويلة مصريتها.
من ناحية أخرى، تلوح بعض الدوائر السودانية بورقة أثيوبيا وسد النهضة تلميحا أو تصريحا للضغط على مصر فى ملف حلايب، ظنا منها أن الإدارة المصرية ليس لها خيارات فى ملف المياه مع أثيوبيا، وأن السودان سندها الوحيد فى هذا الملف، وهى رؤية انتهازية وينقصها الكثير من الدقة، لأن خيارات مصر مع دول حوض النيل ،بما فيها جنوب السودان، كثيرة ومتعددة، ولكنها محكومة بإثبات حسن النوايا وتغليب علاقات التعاون.
من هنا نرجو أن يعود مسؤولو السودان إلى رشدهم وأن يغلبوا علاقات الأخوة والتكامل على دعاة الانتهازية السياسية، لأن مصر لم ولن تكون ضعيفة أو عاجزة فى أى وقت من الأوقات عن حماية كامل ترابها الوطنى، كما نربأ بالسودان أن يتحول إلى مخلب قط فى أيدى الاستعمار الجديد، يستخدمه لفتح جبهة جديدة ضد مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة