لن يكون قلمى مسمارا فى ظهر الصحفيين أو الدولة، ولن أقول غير ما أراه صحيحا، وأنا أكتب فى تلك القضية الشائكة، التى شقت الصف وفرقت الجمع، وحولت عيد الربيع إلى خريف عاصف، ولن ألعب على حبال الوقيعة أو ركوب أحصنة البطولة، كما يفعل آخرون، فمصر فوق الداخلية ونقابة الصحفيين، والتصعيد المبالغ فيه إيذاء للدولة والصحفيين، ولا سبيل للخروج من الأزمة إلا باحترام الدستور، وإعلاء شأن القانون، وفض الاشتباك على أسس سليمة نسير على هديها فى المستقبل، أولا: النيابة العامة هى صاحبة الاختصاص فى تحقيق واقعة الاقتحام، التى تؤكدها النقابة وتنفيها الداخلية، ولا يمكن الارتكان إلى الشهادات المتعارضة، بل إلى تحقيقات سريعة ونزيهة وشفافة، تتناول الوقائع وشهادات الشهود، وكل الملابسات، وتحدد المسؤولية القانونية والجنائية، وأن يصدر فور انتهاء التحقيقات بيانا تفصيليا شاملا، يضع الحقائق كاملة أمام الرأى العام، لنطمئن إننا فى دولة القانون، التى لا تتستر على أخطاء أو تجاوزات مهما كان شأن مرتكبيها.
ثانيا: إقحام الرئيس فى مثل هذه القضايا من أسوأ أنواع المزايدة السياسية، فهو حكم بين السلطات ويحكم بالقانون، وليس بالقرارات التى يطلبها منه كل طرف، فالنقابة تطلب منه أن يعزل وزير الداخلية، أى أن يفتئت على صلاحيات البرلمان ورئيس الوزراء.. ومن يبادر بالإدلاء بتصريحات منسوبة للرئاسة، ينسى أن الرئاسة لها متحدث إعلامى، يحسب كل كلمة وحرف بميزان دقيق، يرسخ احترام الدستور والقانون ويرعى مصالح الجميع، ولا يكون رد فعل لمواقف انفعالية. ثالثا: على الصحفيين أن يحددوا ساحة الأزمة، وهل هى الاقتحام، أم ضبط وإحضار وحبس الزميلين، فالاقتحام–إذا ثبت– يشكل جريمة يجب أن يقدم مرتكبيها للمحاكمة، أما الاتهامات المنسوبة للزميلين، فيحب أن تتعامل معها النقابة بتكليف فريق من المحامين للدفاع عنهما، والسعى إلى إثبات براءتهما.
رابعا: كان من الأفضل ألا يرد فى بيان نقابة الصحفيين الفقرة التى تقول نصا: «كما قرر مجلس النقابة دعوة جميع المؤسسات المعنية بحرية الصحافة والحريات العامة فى «مصر والوطن العربى والعالم»، لاعتبار هذا الحدث الجلل هو العنوان الرئيسى للبيانات الصادرة عنها فى مناسبة اليوم العالمى لحرية الصحافة»، فالاستقواء بالخارج أمر مكروه ولا يرضى عنه جموع الصحفيين، والمباهاة بأن «بان كى مون «والصحف الأوروبية والأمريكية تدين ماحدث، شىء مؤسف، والنقابة يجب أن تقف سدا فى وجه الضغوط الخارحية بكل صورها، وكان من الأجدر ألا تضيف ضغوطا على الضغوط التى تواجهها البلاد.
خامسا: لن يعلو شأن حرية الصحافة، إذا تحولت جمعيتها العمومية التى تنعقد اليوم الأربعاء –فى حالة اكتمالها– إلى مهرجان للمزايدة والهجوم والخطب الحماسية، أو إذا فتحت أبوابها لغير أعضاء جمعيتها العمومية، أو إذا تحول شارع عبدالخالق ثروت حيث مقرها، إلى ساحة للتظاهر والحشد والهتافات.. ولكن تنتصر حرية الصحافة إذا تحلينا بالأسلوب الراقى والآراء الهادفة، التى ترسخ حرية الصحافة.
مخطئ من يتصور أنها أم المعارك، ولا بد أن تنتصر فيها النقابة بالضربة القاضية، بعد أن تستعين بالنقابات الصديقة والأحزاب والتيارات والقوى السياسية، وتخسر النقابة إذا لم تفتح قلبها وعقلها لجموع الصحفيين المختلفين مع سياسات مجلسها، والذين يسعون إلى لم الشمل ورأب الصدع، وألا تلجأ لمثل قسمة «مؤمنين» و«رويبضة» التى ابتدعها الإخوان، فيكون الصحفى المناضل هو من يلهب المشاعر ويرفع سقف المزاد، والصحفى المهادن من وجهة نظر النقابة هو من يدعو إلى الاحتكام إلى العقل، واحترام الدستور وإعلاء راية القانون.. ومحاسبة المخطئ سواء كان صحفيا أو ضابط شرطة.