"1"
كم كان المشهد بائسًا.. حشود الصحفيين المتجمعين أمام نقابتهم يطالبون بالحرية، والإفراج عن محتجزى الرأى، وإقالة وزير الداخلية، وفى المقابل مجموعات من الفقراء العاطلين، وأطفال الشوارع، وهتيفة الانتخابات يقفون إلى جوار أفراد الشرطة، ويرفعون أحذيتهم البالية للمحتجين، أو يرددون هتافات مستفزة لها نفس الروح الإخوانية الفاشية، أو يقذفون الحجارة والمياه على الصحفيين.
العاطلون والهتيفة وأطفال الشوارع لا يعرفون الصحفيين ولا نقابتهم ولا تاريخهم النضالى، لكنهم يعرفون السمسار الذى جمعهم وأعطاهم نصف اليومية، على أن يحصلوا على النصف الثانى بعد انتهاء اليوم، كما يعرفون المخبرين وأمناء الشرطة والباشوات الذين يسبغون ظلالهم عليهم فى الأيام الخالية من الأحداث، ويمنحونهم شرف الاستناد إلى الحواجز وعربات الأمن المركزى عند مواجهة أعداء الوطن والاستقرار.
جرب أن تضع السماعات فى أذنيك لتمنع أصوات الشتائم والهتافات من جانب المواطنين الشرفاء، لترى المشهد صامتًا صافيًا معبرًا عن الحقيقة، وساعتها سترى فعلًا قدر المهانة والقهر على وجوه هؤلاء المساكين المساقين إلى ما لا يعرفون لقاء خمسين جنيهًا!
هل يمكن استغلال حاجة الناس إلى هذه الدرجة؟!، هل يمكن الإمعان فى تشويه البشر حتى تحويلهم إلى آلات منسحقة تحطم وتدمر بالأمر، بديلًا لعساكر الأمن المركزى التقليديين؟!
لا يمكن توجيه اللوم لهؤلاء المساكين المعوزين المساقين إلى الهتاف، ولا يمكن كراهيتهم أو احتقارهم أو حتى اعتبارهم موالين للسلطة أو الشرطة، بل هم ضحايا العسف الأمنى، ومحاولات استعادة الوجه القبيح للسيطرة قبل 2011 بكل ما فيها من أخطاء وخطايا كارثية!
"2"
هل حشد المساكين والعاطلين وأطفال الشوارع والهتيفة لمواجهة الصحفيين المحتجين، هو كل ما استطاعت فعله الداخلية؟.. هل هذا الفعل الأحمق والتافه هو نتاج تخطيط وتفكير عقول الوزارة، وهيئتها العليا، ومكتب الوزير لاستيعاب أزمة خطيرة، مثل اقتحام نقابة الصحفيين، وبعد أن أصبح للقضية بعد دولى ورمزى تتفاعل معه نقابات عربية ودولية ومختلف الصحف فى العالم؟
هل يمكن اعتبار هذا النمط من التعامل تعبيرًا أمينًا عن طريقة التفكير وإدارة الأزمات فى الداخلية؟.. بالتأكيد هو كذلك، وهنا الأزمة، هنا مربط الفرس كما يقول أبناء البلد..أزمة الداخلية فى غياب العقل السياسى، وهى أزمة من الواضح أن كثيرًا من مؤسسات البلد المهمة تعانى منها، وغياب هذا العقل يعنى العجز عن إدارة الأزمات، والسماح باستفحال الأزمات لتصير كوارث كبرى تستعصى على الحل، أو خلق الأزمات بشكل مجانى بينما كان من السهل تلافيها من البداية.
"3"
حتى كتابة هذه السطور، يبدو أن المنطق الأعوج للداخلية يحوز الرضا من دوائر أعلى فى الدولة، فالحكومة خرجت علينا بنفى غريب لخبر نشره أحد المواقع الإخبارية عن ترتيب لقاء بين رئاسة مجلس الوزراء ونقابة الصحفيين، وذلك عقب انتهاء فعاليات اليوم الأول من احتجاجات الصحفيين، وإعلان النقيب عن ثمانية عشر قرارًا لحماية الحريات، فماذا يعنى ذلك على الأرض؟، يعنى باختصار انحياز الحكومة إلى منطق القمع والسيطرة فى دولة مبارك، واعتبار أن ما حدث تجاه نقابة الصحفيين هو الصواب الذى يقاس عليه، والذى يمكن تكراره مستقبلًا، ولو أن فئة فى البلد قررت الاحتجاج والرفض، فعليها أن تخبط رأسها فى الحائط، أو الاحتكام لشارع المواطنين الشرفاء.
"4"
باختصار، المواطنون الشرفاء المساكين والهتيفة وأطفال الشوارع لم يكونوا فقط فى الشوارع المحيطة بنقابة الصحفيين، بل كانوا جالسين خلف مكاتبهم الفخمة فى وزارات الحكومة ودوائرها العليا!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور مصطفى ابو الفضل
هل هذا هو كل ما وصلك من المشهد ! الم تسمع عن ملايين المصريين الرافضين لموقفكم و نقابتكم
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى مغترب
متى يفيق الصحفيين
عدد الردود 0
بواسطة:
انشرو لو فيه حرية رأي
أستاذ كريم انت من الصحفيين العقلاء ، فلا يعميك انحيازك للنقابة عن رؤية وقراءة الوقع
عدد الردود 0
بواسطة:
شعبان رمضان
المخبرين الشرفاء
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد رفعت
الانكار
عدد الردود 0
بواسطة:
العمده
المصلحه
عدد الردود 0
بواسطة:
saad ahmed
اول مقال غير موضوعي للكاتب المحترم