كان يشبه رجل الإطفاء، ما أن يسمع عن بشائر وقوع أزمة حتى يقفز إليها بسرعة البرق، قبل أن يتولى رئاسة الوزراء، كنا نقول: لماذا لا يتكلم رئيس الوزراء عن الأزمة الفلانية؟ ولماذا لم يعلق على هذه الكارثة ويشرح أسبابها وطرق علاجها؟ أما بعد أن تولى رئاسة الوزراء فكنا لا نسأل عن تصريح أو تفسير لعلمنا أن «المهندس إبراهيم محلب» سيتوجه إلى الأزمة بنفسه ويبذل ما فى وسعه لحلها ولو حتى على طريقة «تطييب الخاطر» أما بعد رحيله فقد أردكنا أن جزءا كبيرا من عقل الدولة السياسى قد رحل.
قاربت أزمة نقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية على الدخول فى الأسبوع الثانى، وللأسف مازال العند متملكا من الجهاز التنفيذى للدولة حتى أشعلت بعض الميليشيات الإلكترونية للصفحات المنسوبة للشرطة الأزمة بتعليقات تخوينية طائشة تتهم كل من يحاول الحفاظ على كرامة مهنته بالخيانة والعمالة والتخريب، وهى ذاتها الاتهامات التى يطلقها «المتحرشون الشرفاء» الذين حاصروا النقابة منذ اليوم الأول للأزمة، كل هذا يحدث والسيد رئيس الوزراء «شريف إسماعيل» لم ينبس ببنت شفة، ولم يعلق من قريب أو من بعيد، وكأن الأمر لا يخصه ولا يعنيه، فى تغييب تام عن الدور السياسى الذى من المفترض أن يمارسه رئيس الوزراء باعتباره المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية بحكم الدستور والقانون.
أتذكر الآن ردود أفعال المهندس إبراهيم محلب فى المواقف المماثلة، فقد كان يسارع بحل أى مشكلة تقف أمامه بكل ما أوتى من قوة، كما أنه كان لا يتكبر عن تقديم اعتذاره الشخصى قبل الرسمى لأى صاحب مظلمة، مثلما حدث مع أزمة أمينة متحف محمود سعيد التى عايرها وزير الثقافة الأسبق بـ«تخنها» فاستضافها ورحب بها وأجلسها بجواره وتحدث معها حديث الأب الذى يراعى شعور ابنته فخفف من آلامها وأزال الاحتقان الواقع بسبب هذه السخرية التافهة فى دقائق، وهو ما كان سيحدث بالطبع إذا ما كان موجودا فى أزمة نقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية.
هنا يبلغ مؤشر العند من قبل الدولة مبلغه، ففى كل يوم يخسر الجهاز التنفيذى للدولة الكثير من شعبيته والكثير من مؤيديه بسبب عدم وجود عقل سياسى لإدارة الأزمات، فالدول لا تسير بالعند، وشعار «خليهم يتسلوا» لا يبنى مجتمعات آمنة ولا حتى كنتونات متجانسة، ولا يجوز لمن يدعى أنه يحترم شعبه أن يتعامل مع فئاته بهذه الطريقة المتعالية المتعجرفة، وإذا كانت الدولة ستستغنى عن الصحفيين عقب أزمتهم معها وتستغى عن الأطباء عقب أزمة مماثلة وتستغنى عن الشباب لعدم قدرتها على مخاطبتهم، وتستغنى عن موظفيها بحرمانهم من مميزاتهم، وتستغنى عن البسطاء برفع الدعم عن احتياجاتهم، وتستغنى عن الفلاحين بعدم وفائها بتعهداتها معهم، وتستغنى عن العاملين فى السياحة بعدم توفير البيئة الآمنة لعملهم، فمن ستحكم الدولة، وكيف تستقيم؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة