أولا: ما حدث فى المنيا هو نتيجة طبيعية لإهمال الدولة الكامل للصعيد عامة ولقراه خاصة، لا شىء فى القرى، لا عمل ولا رياضة ولا تدين ولا ثقافة ولا مساجد تعمل، أو قصور ثقافة، ولا مراكز رياضية، ولا صناعة ولا زراعة ولا قدوة ولا خدمات.. لا شىء فى الواقع ولا شىء فى الأفق القريب.
كل شىء فى قرى الصعيد يدعو للرثاء، الدولة والتنمية غير موجودة، حتى أبواب العمل التى كانت مفتوحة لشباب قرى الصعيد فى العراق وليبيا أغلقت، أما فى الخليج فالفرص تضاءلت كثيرًا، ليس أمام قرى الصعيد سوى الصراعات والثأر والفتنة الطائفية والقيل والقال، والترامادول والحشيش.
ثانيًا: الإسلام يدين به أكثر من مليار، بعضهم يدين به شكلًا لا جوهرًا، وبعضهم لا يعرف عنه إلا القشور، وبعضهم لا يعرف منه إلا بعض المظاهر التى قد لا يمت أكثرها للإسلام بصلة، وبعضهم يهتم بالعبادات دون الأخلاق ويسيئ للناس، ظنًا منه أن التوحيد فقط سينجيه فى الآخرة، ودون أن يعلم أن على المسلم أن يضبط علاقته مع ربه أولًا، ثم مع الناس جميعًا، ثم مع نفسه. والإسلام لا يحتاج إلى الكم قدر ما يحتاج إلى الكيف، يحتاج إلى رجل كألف رجل، يحتاج إلى أبى بكر الصديق يوم وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» ويوم الردة، وعمر بن الخطاب فى العدل الاجتماعى والسياسى، وعثمان فى حلمه وعفوه وخلقه، وعلى بن أبى طالب فى علمه وحكمته وشجاعته.
ثالثًا: على الجميع أن يتدبر الجميع قول الله تعالى «ولقد كرمنا بنى آدم»، فكل بنى آدم مكرم لا يهان، ولا يذل، ولا يسحل، ولا يجرد من ملابسه، ولا يعذب، ولا يقهر على ترك عقيدته أو دينه، كرامة الإنسان كل الإنسان كفلها الله لخلقه جميعًا، المسلم والمسيحى واليهودى والبوذى والسيخى والمجوسى والسنى والشيعى، فما دام من بنى آدم فهو مكرم، بصرف النظر عن دينه، أو عرقه، أو لونه، أو جنسه، أو فكره. ومن يهن أى إنسان أو يعذبه فهو لا يعرف عن الإسلام والدين شيئًا، فلا يجوز إهدار كرامة أى إنسان مهما كان، ولا يجوز إذلاله، أو كشف ستره وعورته.
رابعًا: الذى حدث مع السيدة المسيحية المسنة فى المنيا لا يقبله عقل أو دين أو ضمير، والذين قاموا به لم يدركوا حتى أخلاق الجاهلية وقيمها، فضلًا عن الإسلام، فقد أبى فرسان قريش أن يتسوروا البيت - أى يتسلقوا المنزل- على رسول الله يوم الهجرة، وحينما اقترح بعضهم ذلك ردوا عليه بحسم «أنتسور على بنات العم». وهذا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يكرم سفانة بنت حاتم الطائى بعد أن أسرتها جيوشه ويرسلها مع شقيقها إكرامًا لكرم أبيها الذى لم يدرك الإسلام، ولكن سارت مناقبه وكرمه مضربًا للأمثال «أكرم من حاتم»، فلم يقل أحد من الذين قاموا بهذه الجريمة كيف يهتكون ويفضحون ستر بنات العم.
خامسًا: ما هذه الفوضى، لك مشكلة مع الابن أيًا كانت بحق أم بباطل ما دخل الأم، وهل هناك أمهات على مر الزمان، وخاصة زماننا تعرف تصرفات أبنائها، فضلًا عن التحكم فيها أو توجيهها. أين هؤلاء من قاعدة شخصية العقوبة أو المسؤولية التى أرساها القرآن قبل 15 قرنًا من الزمان فى قوله تعالى «أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى». إنه لعار على أهل هذه القرية أن يتركوا هؤلاء يعبثون بعرض وشرف جارتهم المسيحية.
سادسًا: إن مصيبة كثير من المسلمين أنهم يسيئون إلى دينهم ووطنهم وشريعتهم وأنفسهم، المسلمون كثر ولكن يصدق عليهم حديث الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة» فالرواحل إلى الله قليل، وأهل العدل والإحسان والفضل قلة، وهم كالشعر الأبيض فى الثور الأسود، حمى الله البلاد والعباد شر الفتن.
سابعًا: قضية المنيا قضية جنائية وليست طائفية، وكل من يريد أن يحولها إلى قضية طائفية يريد الإضرار بالوطن وبالوحدة الوطنية، وهذه تتكرر كثيرًا فى حالة الصراعات والثأر بين العائلات، وخاصة بعد التردى الأخلاقى الذى لحق بالمجتمع المصرى وأدرك الصعيد وقراه أيضًا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة