هناك من يحاول كسر الجماعة الصحفية وتفتيتها
أمس الأول، كنت أتابع افتتاح الرئيس السيسى لمشروع الأسمرات بمنطقة المقطم، فى إطار خطة الدولة للقضاء على العشوائيات فى مصر، و«خلال عامين»- كما أعلن الرئيس فى كلمته- فالحلم يتحقق، ومصر ستكون خالية من العشوائيات فى فترة زمنية قياسية، مشهد المساكن يدعو للفرحة والتفاؤل بالقضاء على سرطان العشوائيات، الذى يهدد المجتمع والدولة بشكل عام، تمنيت أن ينقضى اليوم دون «منغصات» تشوه وتخدش الفرحة بالمشروع الجديد، لكن كالعادة «يا فرحة ما تمت»، جاء خبر احتجاز نقيب الصحفيين، يحيى قلاش، واثنين من أعضاء مجلس النقابة داخل قسم شرطة قصر النيل على ذمة اتهامهم بـ«إيواء شخصين مطلوبين أمنيا، وإشاعة أخبار كاذبة»، كالصاعقة والصدمة، وكأن هناك من يتعمد إفساد فرحة الرئيس والمواطنين بمشروع العشوائيات، فاستكثر أن يمر اليوم بدون تكدير وتنغيص.
وسواء كان احتجاز أو حبس نقيب الصحفيين، فى قسم الشرطة، فسوف يكتب التاريخ أن هذه أول مرة يستدعى فيها نقيب الصحفيين المصريين للتحقيق معه واحتجازه لدفع الكفالة، منذ إنشاء النقابة فى الأربعينيات، وفى مناسبة احتفال النقابة بيوبيلها الماسى، فلم يفعلها أى نظام قبل ذلك منذ الأربعينيات وحتى يوم الأحد الماضى، المرة الأولى التى يحتجز فيها النقيب، والمرة الأولى التى تقتحم فيها نقابة الصحفيين، والمرة الأولى التى يهاجم فيها «المواطنون الشرفاء» أعضاء النقابة، والمرة الأولى التى يطالب فيها البعض باعتذار النقابة لوزارة الداخلية، والمرة الأولى التى تنقسم فيها وحدة الصحفيين بين شارع عبدالخالق ثروت، مقر النقابة، وشارع الجلاء، مقر الأهرام.
من يتأمل الصورة الآن لا بد أن يوسوس له شيطانه بأن هناك من يحاول كسر الجماعة الصحفية وتفتيتها، وأنه آن الأوان للتخلص من النقابة، والفرصة سانحة والأوضاع مهيأة للانتقام من الصحافة وقذف «سنمار الصحفى» من أعلى مبنى النقابة، هناك من يكره الصحافة ويسعى للتخلص منها، أو على الأقل فى الوقت الحالى ترهيبها وتخويفها وتحجيمها، هناك من يسعى لإشعال الفتن داخل وخارج جهاز الدولة.
احتجاز النقيب وعضوى مجلس النقابة وإحالتهم لمحاكمة عاجلة فى اتهام كنا نظن أن هناك «عقلاء» قد تجاوزوه إلى الوصول لحوار هادئ، وإجراء مصالحة حقيقية، ونقاش حقيقى حول الأزمة، وتفويت الفرصة على النافخين فيها، سوف يساهم فى زيادة الاحتقان، وتعقيد الأزمة وعودة لمشهد الصدام مرة أخرى، ولا أعرف من هو «اللهو الخفى» فى الدولة وأجهزتها الذى يسعى للفتن والصدام وافتعال الأزمات، وتشويه ما يقوم به الرئيس من الإعلان عن مشروعات اقتصادية واجتماعية مهمة فى الطريق نحو التنمية والنهضة، من مصلحته العبث فى النسيج الوطنى للمجتمع المصرى، بكل فئاته وطوائفه ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية وبث الفتن فيه، من المسؤول عن أزمات نقابة المحامين والأطباء ثم الصحفيين، وربما تكون هناك نقابات أخرى فى الطريق.
لا نريد أن تخرج علينا منظمات وجمعيات مشبوهة-وما أكثرها- لها أهدافها ونواياها الخبيثة تجاه مصر ببيانات مشوهة ومغلوطة، لاعتبار ما حدث من احتجاز نقيب الصحفيين، بأنه جريمة وتعسف وعصف بحرية الرأى والتعبير فى مصر، ونجد أنفسنا فى موقف رد الفعل مرة أخرى لتوضيح ملابسات ما حدث.
المطلوب الآن، احتواء الأزمة بشكل عاجل وفورى، فالقضية خطيرة ولها تبعات وتداعيات سلبية، والفتنة كانت نائمة ولعن الله من أيقظها.