هل تأتى الرياح بما لا يتوقع أحد؟!
أرجو ألا تعتبر ما يلى محاولة لـ«بلع» مرشح الرئاسة الأمريكية المخبول «دونالد ترامب»، بعد أن أصبح أمرا واقعا فى السياسة العالمية، لكننى أريد أن أقلب معك زوايا النظر إلى الوضع العالمى، خاصة بعد أن أصبح وضعا محليا، وأصبح ما يحدث فى كرداسة يؤثر فى أوروبا وما يجرى فى باريس تسمع صداه فى القاهرة، وما يحاك فى الخليج تراه فى نيويورك، لذلك فإنى أعتقد أن مسألة عدم الأكتراث بما يجرى فى العالم الآن بمثابة عدم اكتراث بالوطن ذاته، وإهمالنا ما يجرى الآن فى العالم يعنى إهمالنا لأنفسنا فى الوقت الذى تتصارع فيه الكثير من الأنظمة على التدخل فيما يحدث عالميا ماديا ومعنويا ومخابراتيا.
هنا أرجوك أن تضع فى اعتبارك انتشار حركة التطرف المضاد التى وصلت إلى مداها فى أوروبا وأمريكا حتى أن «هيلارى كلينتون» خرجت عن لياقتها، كما أوضحت أمس الأول، واتهمت دولا بتمويل الإرهاب فى بلادها ومن بين هذه الدول حلفاء أقوياء مثل قطر والسعودية والكويت، وهنا يتأكد لنا أن الفروق التى يتوهمها البعض بين كلينتون وترامب ليست حقيقية تماما، وأنه حتى لو أن «هيلارى» كانت فعلا معتدلة فإنها لا تقدر على اتباع سياسة معتدلة مع العرب والمسلمين بعد كل هذه الحوادث الإرهابية، وبعد تنامى الشعور العدائى لدى المواطن الغربى لدرجة أنه أصبح على استعداد حقيقى لمنح المتطرفين تأييده فى الانتخابات.
هنا أعود وأسـأل ذات السؤال الذى سألته أمس: هل يجب علينا أن نخاف من ترامب؟ أو بمعنى آخر: هل ترامب «شر كامل»؟ وفى الحقيقية فإننى أعتقد أن ترامب برغم ما يمثله من همجية وعشوائية وتطرف فإنه ربما يصبح إذا ما تولى حكم أمريكا أكثر اعتدالا، بل وربما تثبت الأيام أنه أفضل من هيلارى، والشواهد على هذا كثيرة، فاتفاقيات السلام الحقيقية بين العرب وإسرائيل لم يبرمها إلا أحزاب اليمين، وفى الغالب فإن وصول المتطرفين إلى الحكم يبرز الأصوات المعتدلة، كما أن وصول الأصوات المعتدلة يبرز المتطرفين، فى الحقيقة أيضا فإن مصالح «ترامب» تتلاقى كثيرا مع مصالح مصر الآن. فهو الشرس على الإرهاب، الشجاع حتى الحماقة فى فتح الملفات المسكوت عنها، والقادر على إسكات المتطرفين الأمريكيين، لأنه واحد منهم.
هناك أيضا أمر آخر ربما يبرز حسنات «ترامب» فى مواجهة كلينتون وهو أنه فى الأساس «رجل أعمال» ورجال الأعمال غالبا ما يتقنون الحديث بالمصالح المباشرة وليس بالشعارات السياسية، وهذا فى اعتقادى ما سهل فى وصوله إلى الأمريكيين وجعله رقما كبيرا فى الانتخابات المقبلة، فكونه رجل أعمال فإنه يعرف ما لا يعرفه السياسيون من وسائل محاورة السوق وطرق عرض الذات وأساليب المناورة فى اللحظات الأخيرة، وأعتقد أن هذه التركيبة الشخصية هى ما ستخبره أن الاستعراض الذى يقوم به الآن من المقرر له أن ينتهى إذا ما فاز فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وفى كل الأحوال فنحن على موعد مع العديد من المفارقات الكوميدية والتراجيدية والمأساوية أيضا خلال الأشهر الأخيرة، وما علينا سوى الاستعداد لـ«شو تايم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة