هز مسئولو وزارة الخارجية المؤسسة الدبلوماسية المطيعة عادة داخل الولايات المتحدة هذا الأسبوع بمذكرة داخلية تحث واشنطن على القيام بعمل عسكرى ضد الحكومة السورية بهدف الضغط على الرئيس بشار الأسد لقبول وقف إطلاق النار وأن تكون الإدارة الأمريكية صاحبة اليد العليا عليه فى أية محادثات مستقبلية بشأن الانتقال السياسى.
مثل هذا التدخل ليس واردا لأسباب كثيرة، لاسيما غموض الهدف العسكرى والمخاطر التى قد تواجه الجنود الأمريكيين. والأهم من ذلك أن الرئيس باراك أوباما يعارض أى تدخل من هذا النوع.
حتى الدبلوماسيين الذين وقعوا على المذكرة لا يطالبون بإطاحة القوات الأمريكية بالأسد فورا من السلطة أو حمله على تسليم الأراضى لجماعات المعارضة، وهى أهداف مثالية للحملات العسكرية.
بدلا من ذلك، يرى هؤلاء أن الهجمات الأمريكية قد تزيد التأثير والضغط على الرئيسى السورى فى المفاوضات الدبلوماسية التى فشلت مرارا وتكرارا.
التدخل العسكرى قد يغرق واشنطن فى صراع دموى لا يمكن التنبؤ به أو نتائجه، حيث تضم المعارضة السورية عشرات التشكيلات المتمردة التى تنقسم بين جماعات عرقية متنافسة ومنظمات تعتبرها واشنطن إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية.
ما يزيد الأوضاع تعقيدا أن القوات الجوية الروسية وجنودا إيرانيين ووحدات شبه عسكرية تقاتل إلى جانب الأسد، وتتزاحم مع بعضها البعض فى السماوات وساحة المعركة داخل سوريا.
هناك أولويات أخرى للولايات المتحدة. فبالرغم من أنها تطالب منذ خمس سنوات الأسد بالتنحى عن السلطة، فإن أوباما يركز على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا وليس تغيير النظام.
تريد إدارة أوباما الحفاظ على الدولة السورية والجيش من أجل تشكيل "حكومة انتقالية" قادرة على استعادة النظام والمساعدة فى التصدى والقضاء على تنظيم داعش.
فى هذا السياق، تريد واشنطن من روسيا وإيران المساعدة فى هذه الجهود.
فيما يلى نظرة على أسباب إحباط مسؤولى وزارة الخارجية الأمريكية ولماذا يستبعد الكثيرون أى تغير فى السياسة الأمريكية:
معارضة البيت الأبيض:
نقلت الوثيقة السرية عبر قناة رسمية تعكس الآراء المعارضة، حيث وقع عليها 51 مسؤولا متوسط المستوى معنيين بسياسة واشنطن حيال سوريا.
نقلت صحيفتا (نيويورك تايمز) و (وول ستريت جورنال) تقاريرها عن نسخ اطلعوا عليها أو حصلوا عليها بالفعل.
تعكس الوثيقة الإحباط الواضح حيال استجابة البيت الأبيض لصراع قتل نحو نصف مليون شخص وساهم فى أزمة لجوء دولية.
نقلت نيويورك تايمز عن الوثيقة قولها "المبرر الأخلاقى واضح ولا يرقى إلى الشك بشأن اتخاذ خطوات لإنهاء القتل والمعاناة داخل سوريا، بعد خمس سنوات من الحرب البشعة".
يشار إلى أن هذه المشاعر ليست جديدة. فقد سبق أن ضغط آخر وزيرى خارجية فى إدارة أوباما، هيلارى كلينتون وجون كيري، من أجل التدخل فى سوريا، وكذلك وزير الدفاع السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى آى أيه).
غير أن القائد العام للقوات المسلحة (الرئيس الأمريكي) هو صاحب الكلمة الأخيرة، ولم يتغير موقفه حتى الآن.
وعندما تجاوز الأسد "الخط الأحمر" الذى تحدث عنه أوباما عام 2013، باستخدام الأسلحة الكيماوية، تراجع الرئيس الأمريكى عن تهديده بتوجيه ضربات انتقامية.
الفوضى المستمرة فى ليبيا، التى ساعدت فيها الولايات المتحدة فى الإطاحة بالدكتاتور معمر القذافى من السلطة عام 2011، تجعل أوباما أكثر تحفظا.
وفى أبريل / نيسان الماضي، قال أوباما فى المملكة العربية السعودية "ما من خيار جيد"، مشيرا إلى أن أية خطة بديلة بدون تسوية سياسية تهدد بإطالة أمد الحرب لسنوات طويلة.
وقالت جنيفر فريدمان، وهى متحدثة باسم البيت الأبيض، الجمعة "لقد كان الرئيس واضحا دائما فى أنه يريد حلا سياسية للأزمة فى سوريا، ولا يزال هذا هو موقفه".
الكثير من علامات الاستفهام:
بغض النظر عن هزيمة داعش، تقوم استراتيجية أوباما فى سوريا على ثلاثة مراحل، هي: إجبار الأسد على وقف إطلاق النار ومحادثات عملية الانتقال السياسى والضغط عليه للتخلى عن السلطة، ثم توحيد جيشه وإقناع القوى المعتدلة بالانضمام إلى جهود محاربة الإرهاب.
لكن برغم مرور خمس سنوات على اندلاع شرارة الحرب الأهلية، لم تدخل أى من هذه المراحل حيز التنفيذ على أرض الواقع بعد. فالقتال الضارى لا يزال مستمرا على الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار العديدة بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة.
ويعتقد معارضو الوثيقة أن غياب الضغط على الأسد يجعله غير راغب على الإطلاق فى وقف القصف والجلوس إلى طاولة المفاوضات. وقالوا إن "العمل العسكرى قادر على فرض عملية دبلوماسية أكثر تركيزا وقوة تقودها الولايات المتحدة، وقد تقلب موازين الصراع. وستبعث بإشارة واضحة للنظام وداعميه بأنه لن يكون هناك حل عسكرى."
لكن إذا كانت الضربات الجوية محدودة، فهل ستتمكن من إجبار الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، أم أن ذلك سيجعله أكثر تصميما على الاستمرار؟ وإذا كانت الولايات المتحدة تأمل أن يجرى الأسد مفاوضات حول رحيله عن السلطة، فما هى الحوافز الجديدة التى ستعرض عليه؟
ويقول أندرو تابلر، خبير الشؤون السورية فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "التهديد بشأن غارات جوية ستكون له نتائج كارثية. الأمر لا يتعلق بغزو سوريا أو عراق آخر، بل بمعاقبة الأسد على انتهاكاته لاتفاق وقف الأعمال العدائية. وتستطع، إذا ما نالت دعما قويا، تغيير موقف الأسد التفاوضى الصارم بشكل كبير.
ترى المذكرة أن القيام بذلك سيزيد الدعم بين الغالبية السنية السورية للأهداف الأمريكية بعزل وهزيمة تنظيم داعش الارهابى.
لكن إن اتخذت ليبيا كمثال، فإن التدخل الأمريكى لا ينتهى على الدوام بهذه الصورة. فبعد عام من سقوط نظام القذافى هاجم متشددون السفارة الأمريكية فى بنغازي، ولم يعد للولايات المتحدة أى تواجد دبلوماسى داخل ليبيا.
روسيا:
قال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي: "أكدنا منذ بداية الأزمة السورية على ضرورة التدخل بشكل حاسم."
لكن إذا تعثر التخطيط فى بداية الأزمة، فسوف يكون أكثر صعوبة بعد دخول روسيا الصراع فى سبتمبر.
مهاجمة قوات الأسد فى الوقت الراهن تهدد بتصعيد حرب بالوكالة مع موسكو، التى تشن غارات على قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة. ويرتفع سقف التوقعات بوقوع مواجهة عرضية فى حال توقف التنسيق بين الجيشين بشأن تفادى صداتهم قواتهم فى حملاتهما لمكافحة الإرهاب.
ويعترف المعارضون للوثيقة بهذه المخاطر، لكنهم قالوا إن روسيا ينبغى أن تكون جادة أيضا بشأن وقف الاعتداءات والتفاوض بشأن عملية الانتقال السياسى.
وقال ستيفن بيدلي، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن، والمستشار السابق لجنرالات الجيش الأمريكى فى العراق: "لا أرى ذلك واقعيا إلى حد بعيد. إذا شرعنا فى شن غارات جوية ضد النظام، ستزيد روسيا دون شك من وتيرة عملياتها ضد المعارضة." ونظرا للتورط الروسى العميق فى سوريا، لن يدعم الرأى اعام الأمريكى الالتزام الأمريكى المطلوب لفرض تسوية عبر العمل العسكرى.
"مذكرة سوريا" تهز واشنطن لكن تغير السياسة الأمريكية مستبعد
السبت، 18 يونيو 2016 11:25 ص
الحرب فى سوريا - أرشيفية
واشنطن (أب)
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة