هل انقلب البريطانيون على الديمقراطية؟.. أصعب شىء أن ترى بعينيك القيم الديمقراطية تتوارى للخلف، ويحل محلها العنف والقتل، وأن الحوار أصبح الفضيلة الغائبة التى نحلم بوجودها حتى فى المجتمعات الديمقراطية، والجميع يتحدث بلغة العنف والتطرف والإرهاب، لكن لكل طريقته، فى مصر إرهاب يرتدى عباءة الدين، وفى الغرب يرفع شعارات مختلفة منها النازية، والاختلاف فى الرأى وأمور أخرى كثيرة، لكن فى النهاية هو إرهاب وتطرف وعنف يتناقض تماماً مع القيم الديمقراطية التى نحلم بها ونتمناها لمجتمعاتنا.
ما حدث فى بريطانيا، الخميس الماضى، نوع جديد من الإرهاب هدفه القضاء على القيم الباقية فى المجتمعات الديمقراطية، فكما رأينا فى الشرق الأوسط القتل على الهوية، شهدنا فى بريطانيا القتل لاختلاف الرأى.. نعم هذا ما حدث مع النائبة عن حزب العمال البريطانى جو كوكس «41 عاما»، التى اغتالها شخص فى وضح النهار، فالنائبة القتيلة مؤيدة شهيرة لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبى، ومعروفة بدفاعها عن مسلميها واللاجئين فيها، أما قاتلها تومى ماير فهو كاره لانتشار الإسلام وضد استقبال اللاجئين، وهو أيضاً من المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، فلم يجد طريقاً لإيقاف كوكس سوى قتلها، قبل أسبوع من الاستفتاء على بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد، قتلها لأنه يخشى تأثيرها على جموع البريطانيين، لم يلجأ للحوار واختار الطريق السهل بالنسبة له.
كل التحليلات تذهب إلى أن معظم الراغبين ببقاء بريطانيا فى عضوية الاتحاد الأوروبى استفادوا من مقتل جو كوكس، رغم حزنهم عليها، فالأجواء أصبحت شبه مهيأة ليقول البريطانيون نعم لبقائهم ضمن الاتحاد، والسبب هو حالة الغضب التى انتابت البريطانيون من حادث مقتل النائبة جو كوكس، التى فازت بعضوية البرلمان البربطانى العام الماضى، خريجة جامعة «كمبريدج» التى أمضت 10 أعوام فى منظمة «أوكسفام»، تولت خلالها منصب مديرة العمليات الإنسانية فى نيويورك ومديرة مكتب المنظمة ببروكسل، كما اشتهرت باهتمامها بقضايا المرأة والحث فى البرلمان على استقبال اللاجئين السوريين، مع شروحات مطولة منها أن الإسلام شىء والإرهاب شىء آخر.
بالتأكيد سيتم استغلال واقعة النائبة من جانب المؤيدين لبقاء بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى، لكن هل ينسيهم ذلك القضية الأساسية، وهى كيف تحولت ثقافة الحوار إلى القتل، خاصة أن الحداث لا يمكن وصفه بالعارض، فمن يتتبع تاريخ القاتل سيجد أن هناك ثقافة جديدة يجرى تجسيدها حالياً فى المجتمع البريطانى، فالقاتل المولود فى أسكتلندا مشترك، كما ذكرت صحيفة التليجراف البريطانية، منذ 10 سنوات بموقع S.A Patriot التابع لمجلة تنشرها مجموعة تسمى نفسها White Rhino Club أو «نادى وحيد القرن الأبيض» المناصرة لنظام «الأبارتايد» العنصرى البائد بجنوب أفريقيا، واشتراكه دليل مناصرته للمجموعة، وهو ما يؤكد أيضاً أنه معادى لتعدد الثقافات والأعراق فى المجتمع، ولديه قلق من انتشار الإسلام، كما قيل إن القاتل من أنصار مجموعة للنازيين الجدد تتخذ من الولايات المتحدة مقراً، وأن لماير تاريخاً طويلاً مع التيار القومى الأبيض.
المتابع الجيد سيكتشف أن هناك تغيرات تحدث فى مجتمعاتنا، وتغيرات أكبر تشهدها المجتمعات الغربية سببها الرئيسى عملية الهجرة غير الشرعية، التى كانت حافزاً للمتطرفين فى الغرب، لينفذوا عمليات إرهابية ومتطرفة ضد المسلمين والمؤيدين لحقوقهم، لكن هل يمكن التسليم بأن التطرف أصبح الثقافة السائدة كبديل للقيم الديمقراطية، أم أن الغرب سيعيد اكتشاف نفسه مرة أخرى، مستلهما المنهج من الأفكار التى كانت تؤمن بها جو كوكس، التى كشف عنها زوجها بريندان: «كانت جو تؤمن بعالم أفضل وحاربت من أجله كل يوم فى عمرها بشغف وحب للحياة، كان سيرهق معظم الناس.. كانت ستريد حدوث شيئين الآن، الأول هو أن يغمر الحب طفلينا الغاليين، والثانى هو أن نتحد جميعا فى محاربة الكراهية التى تسببت فى مقتلها».
لدى يقين بأن هذا الحادث سيغير الكثير فى الداخل الأوروبى، وربما يكون ما قاله وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى إن مقتل جو كوكس هو «هجوم ضد جميع من يولون الديمقراطية أهمية ويؤمنون بها»، سيكون الأساس الذى سيتحرك بناء عليه البريطانيون، ليحافظوا على القيم الديمقراطية، ويوقفوا المد الإرهابى والمتطرف، لكن ذلك سيحتاج لقرارات صعبة من جانب أوروبا، أهمها أن تستمتع لآراء الدول التى عانت من الإرهاب والتطرف من خارج النطاق الأوروبى، وتحاول التعرف على تجارب هذه الدول، والاتفاق على مسودة واحدة تستهدف القضاء على الفكر المتطرف، سواء كان أصله دينيا أو سياسيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة