فى الأول من يوليو سيغادر الدكتور نبيل العربى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بعد خمس سنوات شهدت خلالها المنطقة أزمات ومنعطفات خطيرة، غاب عنها الكيان العربى المسؤول عن الإمساك بزمام الأمور، وحل بديلاً عنه منظمات دولية وتحركات فردية من دول فى المنطقة وخارجها.
يغادر العربى ويسلم الراية للأمين العام الجديد أحمد أبوالغيط، وزير خارجية مصر الأسبق، الذى سيصل مقر الجامعة بميدان التحرير وفى عقله الكثير من الملفات التى يدرسها منذ انتخابه فى مارس الماضى لهذه المهمة الصعبة والثقيلة، فالرجل المهموم بطبعه بالقضايا العربية يحاول منذ عدة أشهر فك طلاسم الخلافات والأزمات العربية عله يصل إلى حل لها، ويعيد إحياء الكيان الذى كان فى انتظار رصاصة الرحمة، بعدما تحول إلى جسد هامد لا روح فيها ولا حياة.. يفكر فى الحلول وعينه على التحدى الكبير الذى ينتظره، وكذلك رهان البعض على فشله، ولا ننسى أن أحد أعضاء الجامعة العربية وأقصد بها قطر تحفظت على انتخابه أمينا عاما، وخلف هذا التحفظ قد يحدث الكثير، وهو ما يجب أن ينظر له أبوالغيط بعين الاعتبار.
ترتيب البيت من الداخل، المهمة الأولى التى يعمل عليها أبوالغيط، فالمهمة تحتاج لرجال قادرين على العمل فى هذه الأجواء المليئة بالتحدى، لذلك كان اختياره الأول هو السفير حسام زكى، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوربية، الذى سينتقل للعمل رئيسا لمكتب الأمين العام، فى مهمة اعتبرها ذكى «قومية بالدرجة الأولى للنهوض بالمؤسسة العربية الأقدم والأهم ودورها العربى الذى توارى مؤخرا».
لا خلاف على أن أبوالغيط دبلوماسى من طراز فريد، يمتلك قدرة قوية على إحداث التغيير المطلوب فى المكان الموجود به، ولديه ثقة كبيرة فى نفسه، ولدينا نحن ثقة كبيرة فى شخصه وإمكانياته وقدراته واختياراته أيضا التى أصابت الهدف حينما وقع الاختيار على «ذكى» الذى يعد إضافة قوية للجامعة العربية، وهو ليس بغريب عنها، فسبق أن عمل بها متحدثا رسميا باسم أمينها العام الأسبق عمرو موسى، قبل أن يعود إلى بيته «الخارجية» ليكتب فيها فصلا جديدا من تاريخه الدبلوماسى.
يدخل أبوالغيط الجامعة العربية وأمامه ملفات كثيرة مفتوحة، الوضع فى اليمن، والتمزق الذى يضرب ليبيا، والتوتر فى العراق، والأزمة السورية، والصومال التى تحاول جاهدة أن تعود للحياة وتنتظر الوقفة العربية بجانبها، والسودان الباحث عن الدعم فى مواجهة التدخلات، وأزمات كثيرة تعانى منها المنطقة العربية، لكن أكثرها بكل تأكيد الخلافات العربية العربية، التى أضرت كثيرا بوضع العرب وصورتهم داخليا وخارجيا.
كل هذه ملفات مفتوحة وتحتاج لجراح ماهر يحاول أن يلملم جراح العرب وآلامهم التى لم تترك عربيا الا وأبكته، وهى المهمة التى سيتصدى لها أبوالغيط، وبكل تأكيد ستواجهه عثرات كثيرة، مرتبطة بطبيعة العرب، وأيضا بحكم التدخلات الخارجية فى القضايا العربية التى زادت طيلة السنوات الخمس الماضية، فمفاتيح الحلول الآن ليست فى يد العرب وإنما خارج المنطقة، إلا من رحم ربى.
ورغم كل هذه التعقيدات فكلى يقين بأن الجامعة العربية فى ظل وجود الأمين العام القدير جدا «أحمد أبوالغيط»، ومعه الدبلوماسى المحنك «السفير حسام زكى»، سيكون لها شكل وتأثير مختلفا عما عاشته خلال السنوات الماضية، أخذا فى الاعتبار أن النتائج لن تظهر سريعا، لأن الجميع يدرك أن الجامعة العربية الآن عبارة عن جسد ملىء بالأمراض التى أنهتكه ومنعته من الحركة، ولكى يعود للحياة الطبيعية مرة أخرى فالأمر يحتاج لوقت وتعاون من الجميع، وهذا هو أكبر تحدٍ يواجه المنظومة العربية بشكل كامل، فالقضية ليست فى شخص أبو الغيط، لكنها برغبة العرب فى أن يكون لهم صوت واحد يعبر عنهم وعن قضاياهم.
نعم أبوالغيط لديه أفكار وقدرة على العمل والصبر أيضا، لكن كل هذا وحده لن يكفى إلا إذا أراد العرب التغيير، فبدون ذلك لا نلومن إلا أنفسنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة