"مجسمات في دار النبوة".. هل كان ببيت النبي تماثيل تجسد أساطير إغريقية؟.. قصة الحصان المجنح بيجاسوس ترد على همجية داعش في تدمير الحضارة..ومسلم متعصب وراء تشويه أنف تمثال "أبى الهول"

الإثنين، 20 يونيو 2016 05:07 م
"مجسمات في دار النبوة".. هل كان ببيت النبي تماثيل تجسد أساطير إغريقية؟.. قصة الحصان المجنح بيجاسوس ترد على همجية داعش في تدمير الحضارة..ومسلم متعصب وراء تشويه أنف تمثال "أبى الهول" داعش تحطم تماثيل من الموروث الإنسانى
تحليل يكتبه مدحت صفوت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مدحت صفوت

منذ أن ظهرت داعش وتنتقم من موروث الإنسانية الحضاري، بتدمير المتاحف والمعابد القديمة والتماثيل التي يمتد عمرها لآلاف السنين، وهي حوادث تكررها عصابات الكهوف في سوريا والعراق، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان حادث تحطيم أعضاء تنظيم القاعدة في أفغانستان تمثال بوذا 2001، زعمًا أن هذه المورثات الفنية "أصنامًا" يتخذها الناس آلهة!!

يستند المتطرفون والإرهابيون في تدمير آثار الحضارات الإنسانية إلى موروث يدين "التماثيل" ويجرمها على مستوى ظاهر النص، كذلك بعض الممارسات التاريخية طوال دول الخلافة الإسلامية، ويسرنا أن نستعرض بعض من هذه الأسانيد لنفكر فيها عقليًا، ورغم يقيني أن المسائل الفنية في معزل عن الفتوى الدينية، أو بقول القاضي عبد العزيز الجرجاني "الدين بمعزل عن الشعر"، وبالتالي بمعزل عن الفن عمومًا، لكن لا مانع أن نبحث حجج وأسانيد المتطرفين لعل وعسى نفندها.

بداية الثابت تاريخيًا أن الرسول لم يأمر بهدم "أصنام قريش" قبل الهجرة، على العكس فقد نهى عن سب آلهة العرب، وأغلب الحوادث التي يذكر فيها هدم التماثيل جاءت بعد فتح مكة، وكما يسرد الفقهاء والمحدثون أن السبب هو عبادة الناس للأصنام داخل البيت الحرام، وبالمنطق بعد أن سيطر المسلمون على مكة أصبح طبيعيًا أن يتحكموا في المسجد، ومن العبث أن يتشارك فيه منتصرون يرون الكعبة قِبلتهم وآخرين منهزمين يرون في "تماثيلهم" آلهة. فضلًا عن بعض الروايات تذهب إلى أن الرسول اكتفى بإخراج التماثيل من المسجد، وهي رواية عبد الله بن مسعود وتحكي "دخل النبي مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبًا، فجعل يطعنها بعود في يده، وجعل يقول "جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً".. الصورة تصف منتصرًا يحتفي بعود، "عصاية يعني"، وهي بلا شك لا تحطم تمثالًا من أحجار صخرية.

ولم يُعرف عن الرسول أنه حطم تماثيل قبل ذلك أو خلاف فتح مكة، إذن مسألة تحطيم "الأوثان" لم تكن فحسب متعلقة بمحاربة الشرك وعبادة الأصنام، وإنما تعلقت المسألة بالسيطرة الدينية على المسجد، ولا أراها من جهتي مسألة غير حضارية وهدمًا للفن أو محاربة له، وهذا ليس تبريرًا، إنما قراءة للتاريخ في ضوء سياقات الصراع الديني.

الحادثة السابقة تكررت في ديانات أخرى، فـ"كنيس بن عزرا" اليهودي والكائن بمجمع الأديان في القاهرة، كان في الأصل "كنيسة الشماعين" باعتها الكنيسة الأرثوذكسية للطائفة اليهودية، عندما مرت الأولى بضائقة مالية نتيجة لزيادة الضرائب التي فرضت عليها وقتها، كذلك استحال عدد من المساجد في أسبانيا إلى كنائس عقب سقوط دولة الأندلس.. فهل كان مطلوبًا من بن عزرا بعد أن اشترى الكنيسة ليحولها إلى كنيس أن يُبقي الصليب فيها؟ جنون طبعًا، ولا يمكن أن يُبقي الأسبان على النقوش القرآنية في المساجد.. المسألة هنا تدور في إطار صراع السيطرة الدينية على دور العبادة لا أكثر ولا أقل.

وربطنا واقعة المسجد الحرام بالسيطرة على "القِبلة" بعد فتح مكة، يجعلنا نتشكك في كم الأحاديث الواردة في ضرورة هدم التماثيل أو تحريمها، الكم الوفير لا يتبين في أغلبه التوقيت الذي جرى فيه، وبالتسلسل التاريخي لابد وأن يكون بعد دخول مكة، أي بعد السنة الثامنة من الهجرة، وهي مرحلة تاريخية مفصلية في بناء الدولة الإسلامية، الأمر الذي يجعل اهتمامات النبي وأتباعه لا تنصب حول مسألة التصوير والتجسيم.

الكم الغزير من الأحاديث الواردة ضد التصوير والتجسيم، جعل الفقهاء الذين يحاولون عدم تجريم ىالفن أن يبرروا تلك الأحاديث بقرب عهد الناس بالوثنية، استنادًا إلى ما يسمى بـ"تحريم الذريعة"، وبزوال السبب زال التحريم، الأمر الذي نلمسه في فتاوى إباحة النحت وصناعة التماثيل الصادرة من دار الإفتاء المصرية 1962 وكررت إصدارها في 2006، دون أن يخطر على بال "باحث" أن محور الصراع هو السيطرة على البيت الحرام، لأن لو أن السبب كانت الوثنية فلماذا كانت هناك تماثيل صغيرة في بيت النبي نفسه؟ سنعود إليها.

قبل أن نتوقف أمام قصة التماثيل الموجودة ببيت الرسول، من المهم أن نبين أن مسألة تحطيم التماثيل لم تكن في بداية الدولة الإسلامية ونشأتها، حيث توسعت دولة الخلافة في البلاد التي سيطرت عليها ولم يسجل التاريخ إلى ما يمكن الاستناد عليه بتحطيم المسلمين لأي أثر، والمعابد المصرية الممتدة بطول مصر خير دليل. لكن كانت تجري هذه الوقائع في عصور الاضمحلال والانحطاط الحضاري، فأنف أبي الهول التي اتهمنا فيه "نابليون بونابرت"، نابليون من هدمها براء.

يذكر المقريزي "توفي 1442م أي قبل الحملة الفرنسية بـ356 سنة" أن شخصًا يدعى الشيخ محمد صائم الدهر، يعتقد أن الآثار أوثان يجب هدمها، شن حملة لهدم التماثيل لكنه عجز أمام حجم أبي الهول، فتوقف بعد تشويه الأنف، وجرى ذلك في الفترة 780-781هـ، متأثرًا بفتوى لأبي حامد الغزالي دعا فيها إلى تشويه التماثيل لأن "مشاهدتها منكرة وغير جائزة"!!، وهي فترة تدهور حضاري شهده العرب والمسلمون.

من جهة، يتفق أغلب المفسرين والفقهاء في أن شريعة الأنبياء واحدة، أي لا يجوز إباحة حرام لنبي من الأنبياء، وأن الحرام ممنوع بالضرروة والأولوية على الأنبياء أنفسهم. ويذكر القرآن عن النبي سليمان "يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ".. يصنعون له التماثيل؟ كيف ذلك؟ نعم تماثيل يزين بها قصره، كأي حاكم أو ملك في التاريخ، ويذكر القرطبي والبغوي أنها كانت مجسمات ومنحوتات من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام، تصور السباع والطيور، وقيل: كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في "أماكن عبادتهم" ليراها الناس فيزدادوا عبادة!!

نأتي لقصة التماثيل الموجودة ببيت النبي.. في حديث أبي دواد والنسائي، وهو حديث صحيح على شرط البخاري، كان لعائشة تمثال على شكل خيل مجنحة، وذلك ضمن تماثيل أخرى، تتسلى بها أحيانًا، وعندما سألها الرسول "فرس له جناحان؟ قالت: ألم تسمع أنه كان لسليمان خيل لها أجنحة؟ فضحك النبي".

ضحك النبي، وترك التماثيل في بيته؟ وتنسبها زوجته إلى أن النبي سليمان كان لديه منها "أحصنة مجنحة"؟، بالرجوع للقرآن نجد أن بعض المفسرين يفسرون الآية التي تحكي عن سليمان "إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ"، أن الصافنات الجياد خيول لها أجنحة. وبالرجوع إلى أقدم من ذلك نكتشف أن الحصان المجنح بالأصل تراث حصان أسطوري من تراث الميثيولوجيا الإغريقية، ويُعرف بالحصان المجنح أو "بيجاسوس" Pegasus، وتناولته السينما العالمية في العديد من الأفلام أشهرها فيلم الكرتون Barbie and the Magic of Pegasus، يعني وطبقًا لكتب الأحاديث تواجد في البيت النبي تماثيل من بينها مجسمات لرؤى أسطورية وميثيولوجية وثنية إغريقية، وعادي جدًا.

هنا تسقط كل الأسانيد التي تحرم التماثيل سواء بدعوى القرب من الوثنية، أو بدعوى مضاهاة الله في خلقه، فالنبي بلا شك لا يخالف الكتاب، فهي مسألة تتعارض ومقامَ النبوة، لكن داعش التي تظهر في أوقات الانحطاط على طوال التاريخ تنتج لنا مفاهيم ورؤى غير حضارية. المشكلة ليست في داعش وحدها، فالفقه الوهابي يعتبر تحطيم التماثيل وإزالتها "واجبًا على كل مسلم متى استطاع ذلك"، الأمر الذي يعني أننا نعيش وسط دواعش كثر، ويزدادون مع زيادة اتساع الفكر الوهابي.


موضوعات متعلقة..


- مفاجأة.. أشهر الأحاديث النبوية عن شهر رمضان أغلبها "ضعيف أو موضوع".. "اللهم بلغنا رمضان" قال النسائى عن راويه "لا أدرى من هو".. "أوله رحمه وأوسطه مغفرة" ضعيف.. و"صوموا تصحوا" ذكره الشوكانى بالموضوعات

- سورة "الفاتحة" كما لم تقرأها من قبل.. مدحت صفوت يكتب: "بابا هو مايكل صاحبى من الضالين؟".. تفسير "المغضوب عليهم" باليهود و"الضالين" بالنصارى قاصر.. والقراءة اللغوية للقرآن تُنهى التكفير بين الأديان

- مدحت صفوت يكتب: هل أجاز القرآن ضرب الرجل لزوجته؟.. لا تضربوا إماءَ اللَّه








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة