لعبة الانفصام.. «طليعة وجماهير»
فى السبعينيات كانت أغانى أحمد عدوية «السح الدح امبوه، وزحمة يا دنيا زحمة»، تكتسح سوق الغناء، ومئات الآلاف من شرائط عدوية تفرض نفسها فى الشوارع والمحلات والسيارات، بينما الإعلام يتجاهل عدوية، والنخب تعتبره ردة على الفن.
وهو كان انعكاسا لمرحلة وانفتاح وتحولات يشهدها المجتمع ولم يتوقف أحد ليبحث أسباب انتشاره.
ظلت هناك مسافة بين عدوية وشعبيته من جهة، والنخب والمثقفين فى جهة أخرى.
ومرة كان المذيع يجرى حديثا مع الكاتب والروائى العظيم نجيب محفوظ وسأله عن رأيه فى أحمد عدوية، نجيب محفوظ ببساطته المعهودة قال إن عدوية مطرب صوته حلو، وإنه يستمع إليه ويستمتع بصوته وأغانيه. بدت الصدمة على المذيع، خاصة أن نجيب محفوظ هو ابن الطرب من سيد درويش وزكريا أحمد وحتى أم كلثوم وعبدالوهاب.
وكان رأى نجيب محفوظ تعبيرا عن فهم للمجتمع وتحولاته، وعدم الاكتفاء بموقف انعزالى.
كان عدوية يحظى بإعجاب كبار الموسيقيين والفنانين فى زمنه ومنهم محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، وهناك قصة أنه فى حفل خاص بداية السبعينيات غنى عبدالحليم حافظ أغنية عدوية «السح الدح إمبو»، وغنى عدوية أغنية عبدالحليم حافظ «خسارة خسارة». كان رأى نجيب محفوظ انعكاسا لواقعية أحد أكثر الكتاب الذين حاولوا فهم الشعب بتركيبته وتفاصيله وصراعاته وانقساماته الأيديولوجية والمذهبية. فى الثلاثية بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، يقدم نجيب محفوظ تشريحا واضحا للمجتمع بتفاصيله المتعددة بعضها موجود حتى الآن، ولهذا فإن رأيه فى عدوية كان تعبيرا عن تفهم يرفض الانسياق لآراء متعالية منعزلة. بعد أن أعلن نجيب محفوظ رأيه الإيجابى فى عدوية، تشجع كثير من الأدباء والكتاب، وبدأت مرحلة الإعجاب بالمطرب الشعبى الذى مثل تحولا فى الغناء الشعبى بعد محمد رشدى ومحمد العزبى، وتخرج من مدرسة عدوية حسن الأسمر وحكيم.
وفى عام 1980 كتب صلاح عيسى مقالا عن «طه حسين فى عصر أحمد عدوية»، أكد فيه أن كل عصر له مطربه، ومثلما كان عبدالحليم حافظ مطرب الستينيات، عدوية هو مطرب السبعينيات.
بدت مفارقة أن يكون عدوية بكل هذه الشهرة فى الشارع والمجتمع، بينما تتجاهله النخبة وتهاجمه، كان إعلان رأى نجيب محفوظ أنه معجب بعدوية، كاشفا لمفارقة الفجوة بين الطليعة والجمهور، ليس فى الغناء فقط لكن حتى فى النظر للدراما، بل وحتى للسياسة، عدوية كان كاشفا لمرحلة تحول ولم يكن هو صانعها، ورأى نجيب محفوظ كان يميل للجمهور العام، ويرفض الانسياق إلى رأى مغلق يفتقد إلى المنطق، كان عدوية مسموعا من الجميع، ممنوعا نظريا بين النخب، وما تزال هذه الازدواجية قائمة ومستمرة فى النظر للدراما والسياسة، وعلى مواقع التواصل تبدو الفجوة أوسع، ومازال الملف مفتوحاً.