بالرغم من أن نجيب محفوظ أحد أكثر الروائيين والأدباء، الذين نالوا شهرة، فقد اعترف بأنه لم يجد طريقه للشهرة الحقيقية إلا عن طريق السينما، كانت أكثر أعماله نجاحا توزع مئات أو آلاف، بينما الفيلم يشاهده ملايين، وعندما أخرج حسن الإمام الثلاثية، هاجمها كثير من النقاد، باعتبار أن حسن الإمام أفسد الرواية، نجيب محفوظ أعلن أنه مسؤول عن النص الأدبى، والمخرج وكاتب السيناريو مسؤولون عن الفيلم.
كان مخرج الثلاثية حسن الإمام له رؤية، وحول الفيلم بأجزائه الثلاثة إلى عالم كامل، لدرجة أن كثيرين أخذوا معلوماتهم عن نجيب محفوظ من السينما وليس من الرواية المقروءة، لهذا فقد أدرك نجيب محفوظ أهمية السينما والتليفزيون، ونصح الكتاب بالاتجاه إلى التليفزيون، بعدها بأعوام ظهر أسامة أنور عكاشة، وكان تأثيره كبيرا، لأنه جمع بين العمق والبساطة وخاطب الجمهور العام.
نجيب محفوظ القادم من عالم الفلسفة والأفكار المجردة، اكتشف مبكرا أن الشاشات هى التى تحمل الأفكار، وكلما كان الأديب قادرا على تبسيط أفكاره للأغلبية، كان لديه فرصة لزيادة أو تهديد الوعى، أدرك نجيب محفوظ الفجوة بين النخبة والجمهور، وعبر عن ذلك فى أعماله، حيث المثقف يميل للتجريد، بينما يميل الجمهور العادى للتشخيص، وربما لهذا كانت آراؤه فى قبول ورفض الفن قائمة على التذوق، وليس على الرؤية المسبقة القائمة على تعال وليس على تقدير حقيقى، ويعترف نجيب محفوظ بأنه ظل كاتبا نخبويا حتى وصلت أفكاره عن طريق السينما، ولهذا كانت الثلاثية والحرافيش من أكثر الأعمال نجاحا، لكونها كانت تتم ترجمتها شعبيا وبشكل يقربها إلى الذهن العام.
كما أن القاهرة الجديدة جسد الكثير من أزمات النخبة والمجتمع، وحتى الجدل القائم حول ما تقدمه الصحافة، وهل يجب أن يكون مضمونا تافها للنميمة، كما مثله الصحفى أحمد بدير، المهتم بالأخبار الخفيفة والنميمة والمجتمع، وعلى طه الثورى الذى يقدم مضمونا جافا كئيبا خاليا من أى عنصر جذب، وهذه المناقشة بين أحمد بدير «عبد المنعم إبراهيم»، وعلى طه «عبد العزيز مكيوى»، كان نوعا من الجدل موازيا لانتهازية محجوب عبدالدايم، وسالم الإخشيدى، فقد ظلت صورة الشاب الثورى كما هى تقريبا، وظل الجدل ولا يزال مستمرا حول ما إذا كان مهما أن تظل الأفكار الجادة والسياسية والعميقة كئيبة، أم أنها يفترض أن تحمل قدرا من الأمل والتشويق، وهو ما يعيدنا إلى ما اكتشفه نجيب محفوظ، أن نشر الوعى لا يتعارض من قدر من التشويق والجاذبية، وليس شرطا أن تبقى التوعية ضمن عملية كئيبة تفتقد التشويق.