سيل من الشتائم، سيل من الضربات، سيل من الآهات والاستغاثات، أربع دقائق فحسب، لكن ما أن تراهم حتى تحسب أنك تشاهد فيلما من أفلام الحركة الأمريكية، هجوم مستعر من بعض المتطرفين الأتراك على أحد محلات الموسيقى، التى كانت تحتفل بصدور ألبوم للفرقة الإنجليزية Radiohead فى إسطنبول، لكن هذا الاحتفال لم يعجب هؤلاء المتطرفين، وقرروا أن يحولوا هذا الحفل إلى ساحة لمعركة حقيقية تعيدنا إلى أوقات الهجوم على محلات الفيديو فى تسعينيات القرن الماضى فى مصر، حينما تخيل بعض المتطرفين أن السبيل الوحيد لدخول الجنة هو حرق شريط فيديو فى محل، وهو ما يؤكد أيضا أن تركيا الآن أصبحت على شفا حفرة كبيرة من حفر الإرهاب، فما يبدأ اليوم بالهجوم على محل موسيقى ينتهى غدا بالهجوم على قصر الرئاسة.
تفاصيل الواقعة كما نشرها موقع «فرانس 24» تشير إلى سقوط جريحين على الأقل، وفى الفيديو المصاحب للتقرير شتائم غاية فى القبح والإسفاف، وقد ظهر على التسجيل رجل بقميص أبيض وهو يقتحم المتجر،ويأمر محبى الفرقة الإنجليزية بإغلاق المتجر ثم يظهر هذا الشخص وهو يضرب ويهين رجلا ظل فى الداخل، قائلا: «اخرج يا ابن الع! ألا تستحى فى شهر رمضان!». يظهر وهو يصفع رجلا فى مدخل المتجر كان يحاول تهدئته، فيما تمكن رجلان من الاختباء داخل المتجر، واصل ذلك الشخص تهديدهما من خلف الباب قائلا: «سأحرقكما حيين، سأقتلكما!» بعض وسائل الإعلام التركية حاولت أن تبرر الحادث بطريقة غير مباشرة، فذكرت أن الواقعة حدثت قبيل الإفطار مباشرة، وأن الشباب الذين كانوا داخل المحل التجارى كانوا يحتسون النبيذ، وكأنها تريد أن تقول: إن الضحايا هم الجناة لأنهم استفزوا الصائمين.
خطورة هذه الواقعة تكمن فى إشارتها البليغة بأن تركيا تشهد تحولا كبيرا على المستوى الشعبى، وليس على المستوى الرسمى فحسب، فها هى تركيا العلمانية «ابنة أتاتورك» تجنح نحو التطرف بكامل طاقتها، حتى إن بعض مواطنيها عينوا أنفسهم نوابا للإله فى الأرض، وقرروا أن يعاقبوا بعض الشباب لأنهم «يسمعون موسيقى، ويشربون النبيذ»، وفى ظنى أن هذا التحول الخطير يؤكد أن سياسة أردوغان بدأت تأتى بثمارها، وأن محاولته لتديين المدارس فى تركيا أنتجت لنا شبابا مستعدين أن يقتلوا «الآخر» لأنه يختلف معهم أو يختلف عنهم، وفى الحقيقة، فإنى أرى أن هذه الظاهرة قابلة للتفاقم فى الأيام المقبلة، وعما قريب سترى تركيا الويلات نتيجة احتضانها نار الإرهاب التى ظنت أنها لن تحرقها، لكن ها هى ألسنة اللهب تتصاعد وها هو الدخان يفوح، وها هو طباخ السم يتذوق بعضا من أكلاته الشهيرة.