بعض ممن يسافرون للدراسة أو الحياة بالخارج فى دول أوروبا أو أمريكا يتوقفون عند حدود الانبهار والانتقاد، الانبهار بالنظام والتقدم والحرية، والانتقاد أو النقمة على ما هو قائم لدينا، وكثيرون يبقون عند حد مافيش فايدة، فهم غالبا لم يدركوا أن الطريق لكل هذا التقدم والحريات والمساواة تم خلال أشواط مختلفة من الجدل والنقاش والسعى والعمل، وأنهم لم يولدوا هكذا، ومن يريد يمكنه مراجعة التاريخ الأبعد من الصراعات والتاريخ القريب لحروب سقط فيها ملايين القتلى، لكن وبعيدا عن حالة الانبهار والانتقاد، هناك دائما مساحات لهؤلاء الذين يسعون لتمصير تجاربهم، فهم لا ينبهرون، ويقفون دائما فى مسافة وسط بين كل هذا لأنهم يسعون لنقل تجاربهم.
وحتى رفاعة الطهطاوى، عندما سافر لباريس بدا منبهرا بسيارات الرش والنظافة، لكنه عاد ليدعو إلى التعليم وينقل أفكار الدساتير والمساواة، وبعده جاء مثقفون درسوا وعادوا لينقلوا أفكارا بدت صادمة، لكنها ساهمت فى التحديث، وخلال عقود احتفظت الذاكرة بعشرات ومئات من المبعوثين، عادوا ليقدموا أفكارهم فى الطب والفكر والفنون، وقامت على أيديهم الجامعة المصرية، وأفكار التحرر والديمقراطية، التى ساهمت فى نقل المجتمع عقودا للأمام، ولم يتوقفوا عند حدود الانبهار والانتقاد والمعايرة والملامة.
ومن بين النماذج المدهشة يأتى الدكتور مجدى يعقوب، الرجل الذى يقدم نموذجا عمليا لعملية التمصير، والإصرار على تخطى حالة النقمة والنبهار إلى حالة إنسانية وعلمية، مجدى يعقوب لم يتوقف عن مساحات الانتقاد والانبهار بالغرب، وأمامنا بالفعل نماذج لمن يسافرون إلى الخارج مؤقتا، ولا يقدمون أى نوع من الأفكار، ويظلون عند حالة المعايرة الاندهاشية فقط، ويمكنهم أن يحدثونا مرات عن إنسانية الغرب وتقدمه، وكيف أن الناس تشارك وتبتكر أفكارا اجتماعية وإنسانية، نفس هؤلاء لا يشاركون بأكثر من المعايرة.
من هنا تأتى عظمة الدكتور مجدى يعقوب، الذى قرر أن يقدم ما لديه من خبرة، وافتتح مركزا علاجيا وعلميا، وجعل المؤسسة عملا دائما وتطورا ودرسا، لم يحبس علمه ولا احتفظ لنفسه بالأسرار، ولهذا نجح وقدم نموذجا من العمل والعلم، وبالرغم من هذا النجاح، تسعى بعض الأطراف إلى عرقلة جهد الرجل، مرة بالسعى لانتزاع المركز إلى البيروقراطية، ومرات من خلال دعايات متعصبة وجاهلة أو مساع لوقف التبرع للمركز.
نعرف أن كثيرا من التبرعات تأتى بناء على سمعة الرجل ورؤية الجدية والوضوح فى عمل المركز، لم يفكر مجدى يعقوب أن يضع مركزه فى القاهرة بل أسوان، ولم يخضع لدعوات التوسع غير المدروسة، واختار الخطوة خطوة للتطوير والتوسع، لأن التوسع بدون دراسة يؤدى لسوء الخدمة، كل هذا يجعل مجدى يعقوب درسا لكل من يريد أن يتعلم أو يفعل شيئا مفيدا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة