مرت بنا ثلاث ذكريات متلاحقة بعضها حزين والآخر سعيد، مرت بنا ذكرى نكبة فلسطين واحتلالها وإعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948 على أنقاض أكثر من نصف فلسطين ونصف القدس، ثم مرت بنا ذكرى النكبة يوم 5 يونيه وفيه أكملت إسرائيل ابتلاع ما تبقى من فلسطين واحتلت القدس والمسجد الأقصى والذى لم يحتل منذ أن حرره البطل العظيم صلاح الدين الأيوبى الذى يتطاول عليه بعض السفهاء اليوم.
مرت ذكرى النكبة والنكسة فى صمت وهدوء مريب وكأن شيئاً لم يكن، ثم مرت ذكرى نصر العاشر من رمضان و6 أكتوبر المجيدة حيث استعاد العرب كرامتهم وعزتهم التى فقدت على أعتاب أكبر هزيمة فى تاريخ العرب يوم 5 يونيه سنة 1967.لقد عاش جيلنا هذا اليوم الحزين ومات فيه الكثير من أقاربنا وأهلنا، ولكن القدر كان رحيماً بجيلنا وشبابنا ومشاعرنا إذ أسعده بالنصر العظيم والفرحة الغامرة وعودة الروح إلى العرب والمسلمين جميعاً فى يوم العاشر من رمضان.صحيح أن ابن خالتى الشهيد مراد سيد "بطل الصاعقة" وتلميذ الشهيد العظيم إبراهيم الرفاعى قد استشهد فى هذه الأيام، ولكن فرحة النصر غطت على كل حزن، بل إن الحزن عليه انقلب إلى فخر به حينما حصل على أعلى وسام عسكرى مصرى وهو نجمة سيناء، وسميت مدارس وشوارع باسمه، وكتبت وزارة الدفاع بعدها كتاباً يخلد بطولاته، ويحكى مواقفه الرائعة فى صد الثغرة.
إننا اليوم نتذكر هؤلاء الأبطال وغيرهم، نتذكر أمثال المشير أحمد إسماعيل الذى عاش ومات زاهداً فقيراً،فلم يغير شقته التى تزوج فيها وهو نقيب ولا حتى أثاثها حتى موته.
ونتذكر عبد المنعم رياض – أحد رواد العسكرية المصرية- ومن الذين ماتوا قبل أن يروا النصر رغم أنه ممن جهزوا الجيش جيداً لمثل هذا اليوم،وقد كانت الغرفة التى يعيش ويبيت معظم لياليه فيها رغم مكانته العسكرية كرئيس أركان لأكبر جيش فى الشرق الأوسط فى غاية التواضع.وتتذكر الفريق سعد الشاذلى الذى ظل عاشقاً للعسكرية وعلومها ومتبتلاً فى محراب الوطن وزاهداً فى المغانم،وهو من القلائل فى رئاسة الأركان الذين مارسوا كل صلاحياتهم، وأعد لحرب لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة، وهو الذى عدل كثيراً فى طريقه تدريب وتأهيل الجيش المصرى للحرب. وهو صاحب أجمل كتب تدريبية مبسطة ومصغرة للجندى والضباط الأصاغر والأكابر وهي"دليل الجندي"،"دليل الضباط الأصاغر"،"دليل الضباط الأكابر"،وقد أعجبتنى هذه الفكرة يوماً ما فى حياتى فكتبت على منوالها دليل الدعوة إلى الله فى القرية، دليل الدعوة فى الجامعات.
لقد تأثرت كثيراً بالفرق سعد الشاذلى بعد أن قرأت كل ما كتب عنه، وكل ما كتبه،شعرت فيه بالإنسان الرقيق العطوف من جهة وبالشخصية العسكرية الصلبة العنيدة الفذة من جهة أخرى.تألمت لسجنه كثيراً،وخاصة أن مبارك الذى سجنه كان من تلاميذه فى العسكرية وكان تحت أمرته فى الحرب، فهل يسجن مثل هذا القائد العظيم وهو فى السبعينات من عمره، أى خزى هذا ؟ ألم يشفع له نصر أكتوبر العظيم ؟ ألم يشفع له أنه صاحب النصر الحقيقى ؟ ألم تشفع له بطولته ؟ ألم يشفع له أنه الوحيد فى هزيمة 5 يونيه الذى استطاع أن ينقذ ضباطه وجنوده مثل تشرشل فى أوائل الحرب العالمية الثانية ؟ ألم يشفع له عطاؤه العسكرى العظيم طوال أكثر من أربعين عاماً.لقد كان يمكن لمبارك أن يكرمه ولا يهينه، وأن يعيد إليه دوره التاريخى الذى حرص على محوه حتى من صور الحرب ؟ وكأن التاريخ يمكن أن يزيف هكذا بين الذين عاشوه وخبروه ؟.لقد ألغى مبارك كل من حوله ولم يذكروا إلا دوره والطيران فى الحرب؟ واليوم يعاقب بمثل الكأس التى أذاقها لأمثال الشاذلي، فالبعض يريد محو بطولاته فى الحرب وجهده وبذله، هكذا بلادنا يزور فيها التاريخ فى وضح النهار وشهوده أحياء. لقد عانى الشاذلى مثلما اضطهد محمد نجيب، وحاول البعض أن يطمس تاريخهما أو يزيفه. لا تحزن يا شاذلى فقد حذف درس صلاح الدين وعقبة بن نافع من بعض المناهج الدراسية. ترى ماذا يراد للأجيال القادمة ؟! أن تنسى أبطال الأمة ورجالاتها،وتقتدى بالراقصات والعاريات واللاهيات وأنصاف الرجال الذين يطلون عليها بين الحين والآخر فى بعض المسلسلات أو البرامج التافهة، وتنسى صلاح الدين وعبد المنعم رياض والشاذلى والجمسى وقطز وبيبرس وقلاوون والملك العادل نجم الدين أيوب.
إلى متى يكتب التاريخ بأهواء الحكومات وتقلبها وتغيرها، ونبدله مع تبدل نظم الحكم، سلام على الشاذلى ورفاقه جميعاً الذين أعطوا كل شيء ولم يأخذوا شيئاً،سلام على هذا الجيل الذى زهد فى الدنيا ولم يعرف البيزنس بعد
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة