ما من قضية تشغل السلطات الصينية فى هذه الفترة مثل قضية بحر الصين الجنوبى، التى باتت تمثل واحدة من أكثر القضايا الإقليمية والعالمية تعقيدا، لتضارب المصالح بين أطرافها، وتدخل قوى عظمى كالولايات المتحدة بشكل سافر فى الأزمة لمصلحة أطراف محلية، الأمر الذى ترفضه بكين وترى أنه بمثابة تهديد للأمن والسلم بالمنطقة، فى وقتا ينظر فيه مراقبون إلى الأزمة باعتبارها أرض اختبار رئيسية للمنافسة الصينية الأمريكية، حيث تتصاعد القوة العسكرية للصين، خاصة قوتها البحرية، وتحاول الولايات المتحدة تقليم تلك القوة للحفاظ على تفوقها الإقليمى والعالمى.
تغيير الموازين
قال الدكتور لى قوه تشيانغ بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن الفترة الاخيرة شهدت تصعيدا لقضية بحر الصين الجنوبى بسبب تغييرات فى موازين السياسة فباتت القضية دولية ذات طابع جيوسياسى، وأصبحت القضية من أكثر المشكلات الدولية تعقيدا وتهديدا للأمن والاستقرار، لافتا إلى أن ادعاءات هذه الدول لملكيتها لهذه الجزر لا تعتمد على حقائق تاريخية على عكس الصين التى تمتلك ما يؤكد ملكيتها لهذا الجزر منذ 2000 عام، حيث كانت السفن الصينية ترسى عليها وتمارس الصيد.
وأضاف لى قوه تشيانغ، "أنه تاريخيا لم تدع أى من هذه الدولة فى بحر الصين الجنوبى ملكيتها للجزر المتنازع عليها، مشيرا إلى وجود احتياطات نفطية فى هذه المنطقة وهذا ما دفع الدول للتنازع على الجزر لتستولى على حق الصين".
وأشار الباحث فى الشئون الاجتماعية، إلى أن هذه الجزر تمثل أهمية إستراتجية بالنسبة للصين، مؤكدا أن الصين لن تتنازل عن هذه الجزر، لافتا إلى أن هناك 3 سيناريوهات للحل وهى الحل القانونى والحل الودى، والعسكرى، مشددا على أن الصين تفضل الحل السلمى، والاستفادة من الجزر بشكل جماعى.
عسكرة الصراع
من جانبه قال جيانغ جيان قوه، نائب رئيس إدارة الدعاية باللجنة المركزية بالحزب الشيوعى الصينى ورئيس مكتب المعلومات بمجلس الدولة، إن الولايات المتحدة تعمل على عسكرة بحر الصين الجنوبى باسم معارضة العسكرة"، مضيفا "تصرفات الولايات المتحدة عمقت من مخاوف الصين بشأن مصالحها الخاصة، وعززت من عزم الصين على حماية هذه المصالح."
وشن جيانغ هجوما على الاعلام الغربى بسبب "تغطيته الانتقائية" بشأن قضية بحر الصين الجنوبى، عن طريق حذف وتشويه الحقائق فى محاولة منه "لتضليل المجتمع الدولى.
وقال جيانغ إنه قبل السبعينيات، كان المعترف به على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولى أن جزر بحر الصين الجنوبى تابعة للصين ولم تكن هناك أية دولة تعارض هذه الحقيقة، ولكن تحت إغراء مصادر النفط والغاز، بدأت بعض الدول الساحلية فى غزو واحتلال بعض جزر وحدود الصين البحرية بشكل غير شرعى، وكانت الفلبين على وجه الخصوص إلى جانب بعض الدول الأخرى، سعت نحو إنكار سيادة الصين على جزر نانشا.
وأشار جيانغ، إلى أن الصين أن الصين دائما ما تمسكت بتسوية النزاعات الإقليمية من خلال المفاوضات والمشاورات بين الدول المعنية، استنادا إلى مبدأ احترام الحقائق التاريخية وبما يتفق مع القانون الدولى، ووصف جيانغ لجوء الفلبين إلى التحكيم الأحادى فيما يخص قضية بحر الصين الجنوبى بأنه "لعبة مملة" تقوم بها مانيلا وقوى أخرى "تقف خلف الستار"، وهو السبب فى عدم قبول الصين بهذا التحكيم وعدم مشاركتها فيه، مضيفا أنه "ليس للتحكيم أية حيثية قانونية بحال من الأحوال، وهو أمر لا يساهم فى تسوية القضية، بل يؤدى فقط إلى إشعال التوتر."لافتا إلى أن بمقدرتهم حسم المسألة ووقف تلك الدول عند حدها إلا أنهم فضلوا الالتزام بسياسة ضبط النفس مؤكدا إلا مساومة على هذه الجزر.
كما رفضت الصين الضغوط الأمريكية الرامية لكبح أنشطتها فى بحر الصين الجنوبى، وتعيد تأكيد سيادتها دائما على معظم المنطقة المتنازع عليها بالقول "لا نخشى مواجهة المشاكل."
وقال نائب رئيس هيئة أركان الجيش الصينى الأدميرال سون جيان قو، فى تصريحات سابقة له، إن الصين لن تستسلم للضغوط التى تتعرض لها وتشمل حكما منتظرا من لجنة تحكيم دولية حيال مزاعمها بالسيادة على معظم الممر البحرى التجارى الحيوى، مؤكدا "نحن لا نختلق المشاكل لكننا لا نخشاها."
وأضاف سون، أن"الصين لن تتحمل العواقب كما أنها لن تسمح بأى انتهاك لسيادتها ومصالحها الأمنية ولن تقف مكتوفة اليدين حيال بعض البلدان التى تسبب الفوضى فى بحر الصين الجنوبى.
سبب النزاع
يربط بحر الصين الجنوبى الشرق الأوسط بمنطقة القارة الهندية بشمال شرق آسيا وتمر به ثلث الشحنات البحرية العالمية بقيمة 7 تريليون دولار، أى 15 ضعف قناة بنما وثلاثة أضعاف قناة السويس، ويحتوى على 7 مليار برميل نفط كاحتياطى محتمل، و900 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعى؛ ما قد يجعل منه خليجًا عربيًّا جديدًا.
وشهدت الآونة الأخيرة توترًا فى العلاقات ما بين الصين وفيتنام والفلبين وإندونيسيا وماليزيا وبروناى بسبب النزاع على تلك الجزر، حيث تدّعى كل دولة منهم أحقيتها التاريخية فى عدد من الجزر التى يصل لنحو ثمانين جزيرة صغيرة لا يتجاوزه حجم أكبرها 4 كيلومترات ويغمر البحر هذه الجزر فى كثير من الأوقات.
وبدأ النزاع على تلك الجزر يأخذ منحى حادًا وجادًا مع إصدار الأمم المتحدة عام 1972 دراسة نظرية ترجّح وجود كميات كبيرة من النفط والغاز والمعادن فى تلك المنطقة من بحر الصين الشرقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة