لن أدخل هنا فى تفاصيل المعركة العالمية الحامية التى وضعت أوزارها بإعلان نتيجة الاستفتاء الجماهيرى فى بريطانيا، والذى فضل فيه البريطانيون الانفصال عن شعب أوروبا بعد عشرات السنين من الاندماج السياسى والثقافى والاقتصادى، فملابسات القضية ومقدماتها غنية بالتفاصيل والإشارات، كما أن نتائج الاستفتاء ستكون عاصفة على كل المناحى، لكن ما بين هذا وخلاله ومن ورائه وأمامه يظهر السؤال: لماذا يكرهنا العالم هذا؟
اللاجئون كانوا كلمة السر التى ما أن اقترب صداها من بريطانيا حتى فزع البريطانيون، وكأن دولتهم ستتحول إلى مدينة للأشباح، فرفضوا الاندماج فى الاتحاد الأوروبى، لكى لا تسير القوانين الأوروبية الخاصة باللاجئين على بلدهم، ولكى يحافظوا دومًا على تفرد دولتهم واستقلالها عن أوروبا، فالخطاب الذى تبناه المؤيدون للانفصال ينص صراحة على رفض اللاجئين بكل قوة، كما ينص على أن هناك العديد من الفوائد فى الانفصال عن أوروبا، منها ما هو اقتصادى، ومنها ما هو سكانى، أما السكانى فيتعلق بنقاء الجنسية البريطانية، وترشيد حجم اللاجئين فى كل مكان، بما يحافظ على الخارطة السكانية للدولة، أما الجانب الاقتصادى فلا يزيد على كونه دعوة لتوفير ما يتم إنفاقه على اللاجئين، من رعاية صحية وأموال تعويضية ورواتب شهرية، وهذا كله فى جانب، وفى جانب آخر تقف قضية انضمام تركيا إلى هذا الاتحاد كقضية ذات أهمية قصوى، فالمواطنون البريطانيون لا يتخيلون أنفسهم وهم موضوعون فى «جملة مفيدة» بجانب الأتراك، ويبدو أيضًا أن أوروبا التى نسيت ما بينها من أنهار الدماء التى سالت فى تاريخها لم تستطع أن تنسى مذابح الأرمن التى ارتكبتها تركيا.
نظرة خاطفة تؤكد أن الطريق إلى انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى كان مفروشًا بالعرب والمسلمين، فاللاجئون معظمهم عرب، والإرهابيون معظمهم مسلمون، والدول غير المرغوب فيها هى دول إسلامية، ولا حديث فى أوروبا سوى عن أزمة اللاجئين وقضيتهم ومستقبلهم وبلادهم، وفى الحقيقية فإن من يعتقد أن حدث انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى كان صادمًا فهو واهم، فجميع المؤشرات تؤكد أن أوروبا فى طريقها إلى التطرف، وأنها تعلن عن هذا التوجه فى كل يوم عشرات المرات، وقد أفلتت النمسا منذ شهر مضى من أن يتربع على عرشها رئيس يمينى متطرف حينما فاز منافسه الاشتراكى بأقل من نصف فى المائة، وربما نصحو فى يوم من الأيام على حفنة من المخبولين المجانين الذين يقودون العالم، كما ذكرت فى عدة مقالات سابقة، فنجد متطرفًا فى أمريكا، وشبيهًا له فى بريطانيا، وشبيهًا له فى ألمانيا.
ها هى أوروبا تخرج أسوأ ما بها لتواجهنا به، والأسوياء وحدهم من يواجهون أنفسهم بالحقيقة، والحقيقة هى أننا صرنا عبئًا على العالم، وخطرًا فى الآن ذاته، وإن لم نُفق من غيبوبة نظرية المؤامرة فسنجد أنفسنا فى طى النسيان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة