يواصل الباحث جمال بامسعود فى دراسته التى حملت عنوان «التربية فى ظل الانفتاح» كشف العديد من الأخطاء التى ارتكبت مؤخرا فى حق الأبناء حيث يرى أنه فى ظل الفوضى التى يعيشها العالم أصبحت الآن السيطرة للأبناء على الآباء وهى التربية الأمريكية على عكس ما ينبغى أن تكون عليه الحال، فقد درس عالم النفس «إدوارد ليتن» هذه الظاهرة على الآباء فى أمريكا، وقرر أننا نعيش فى عصر يحكمه الأبناء، فبدلًا من أن يوجه الآباء أبناءهم، فإن الأبناء هم الذين يوجهون سلوك آبائهم، فهم الذين يختارون البيت، ويشيرون بمكان قضاء العطلة، وإذا دخلوا متجرًا مضى كل طفل إلى ما يعجبه، وما على الأب إلا أن يفتح حافظته ويدفع، كما تفشت روح التكاسل وعدم الرغبة فى القراءة وتدنى المستوى العلمى لكثير من الأبناء.
ما يسمى بصراع الأجيال ويقصد به اتساع البون بين تفكير الأبناء وتفكير الآباء، وعزوف الأبناء فى كثير من الأحيان عن الاستفادة من خبرات جيل الكبار؛ إذ ينظرون إلى خبراتهم على أنها لم تعد ذات قيمة فى هذا العصر الذى نعيش فيه وما يعرف بالغزو الفكرى والثقافى المتمثل فيما يشاهده الأبناء ويستمعون إليه عبر وسائل الإعلام المختلفة من عقائد وأفكار وقيم ربما لا تكون فى كثير من الأحيان متفقة مع عقائد وأفكار وقيم مجتمعاتنا.
وتساءل الباحث فى دراسته: ما المقصود بالتربية؟ وقال التربية كما عرَّفها أهلُ التربية هى الأسلوب الأمثل فى التعامل مع الفطرة البشرية وتوجيهها توجيها مباشرًا بالكلمة وغير مباشر بالقدوة وَفْق منهج خاص ووسائل خاصة لإحداث تغيير فى الإنسان نحو الأحسن. بمعنى آخر إن التربية تعنى بإعداد الإنسان إعدادًا يتناول كل جانب من جوانب حياته الروحية والعقلية والجسدية وحياته الدنيا وما فيها من علاقات ومصالح تربطه بغيره وحياته الأخرى، وما قدم لها فى حياته الدنيا من عمل يجزى عليه، فينال رضا ربه أو غضبه، التربية تكلم عنها وعنى بها الفلاسفة والعلماء منذ قديم الزمن، فأفلاطون الفيلسوف الشهير قال: «إن التربية هى إعطاء الجسم والروح ما يمكن من الجمال والكمال»، وهى كلمات جميلة ذات دلالات عميقة، فالجمع بين الجمال والكمال لكل من الجسم والروح ليس أمرًا سهلا، ولعل تعريف التربية بطبيعة عملها ومجالاته يوضح مدى ضخامتها، فهي: «تشكيل الشخصية السوية المتكاملة فى جميع جوانبها روحيًا وعقليًا ووجدانيًا وخلقيًا واجتماعيًا وجسميًا»، إن إدراك أهمية التربية والتسليم بها هو أولى الخطوات اللازمة لإعطائها حقها وحسن العناية بها وتوظيفها فى مواجهة ما فى الانفتاح من السلبيات، وهذه الأهمية لها وجوه متعددة.
وعدد الباحث أهمية التربية فى النصوص الشرعية أو على الطريقة المحمدية حيث قال كانت عناية الله بتربية الرسول الكريم سمة بارزة من أول بعثته وتحمله أمانة الرسالة؛ إذ كان من أوائل ما نزل عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 1 - 6]، وخاطبه ربه بقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] وتأمل ! فإن المخاطب بذلك هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فكيف بمن دونه وكل الناس دونه وعناية النبى - صلى الله عليه وسلم - بتربية أصحابه بدار الأرقم معلم بارز وشاهد ناطق بتلك العناية، وقد حرَص النبى عليها مع الاستتار والإسرار، وهى المحضن التربوى الأول فى الإسلام.
عبد الفتاح عبد المنعم
التربية بين الطريقة الأمريكية والطريقة المحمدية
الثلاثاء، 28 يونيو 2016 12:00 م