لم تشهد من قبل مجتمعاتنا هذا التنافر والتناحر والتناقض وسواء الأخلاق وعدم الصبر على الآخر، وزعزعة واستقرار أمننا ووطننا، إن المجتمع بأثره حزمة من الأفراد بمختلف أجناسها ودياناتها تتمثل فى رباط واحد قائم. وكل هذه العرى تنشأ أولاً وآخراً من مشاعر الناس والنفوس، واختيارها الحر، لا، بل الأمر أعظم من مجرد اختيار، إنه الرغبة المتأصلة والأصيلة العاقلة الدائمة فى أن يسلم الفرد فى المجتمع مع الآخرين فى إقامة مجتمع يعيش ويتعايش فيه.
فالمجتمعات ليست سواء فى دعائمها، لأن ما يكون بواعث التجمع يختلف من قُطر إلى قُطر. فقد يخطئ الإنسان الذى يعد اللغة من دعائم المجتمع مثلا فى إحدى الدول الأوروبية لأن هذه البلاد تنتشر فيها عدة لغات، وعندما نتحدث عن مجتمعاتنا التى تتكون من عناصر وتعتمد فى إطراح الإسلام منها، فنحن مخطئون علمياً وفكرياً وسياسياً وإجتماعياً، وذلك لأن العروبة لم تنفخ فيها الروح، وتبرز إلى الحياة العالمية إلا مع الإسلام، أما قبل ذلك فوجودها الأدبى كان صفراً، فالركن الأساسى للقومية العربية ولعروبتنا هو التاريخ المشترك والأهداف والمصالح والمصير المشترك، لأن التاريخ حمل صورة واحدة ومر على أدوار واحدة وصيغ هذا الوطن بصيغة واحدة منذ فجر الإسلام حتى الآن.
فعندما ننادى بالقومية فى مجتمعاتنا نحتاج إلى رباط يشق طريقه إلى المستقبل فى بناء المجتمع العربى. فالدعائم العامة لشتى المجتمعات هى اللغة والجنس والبيئة الجغرافية والتاريخ المشترك والدين والمصالح والآمال المترابطة والمتحدة. ففقدان أى عنصر من هذه العناصر لا يقيم مجتمعاً له كيانه وخواصه، فلابد من توافرها كلها أو توفر أغلبها.
المجتمع بطبعه يتطبع ويتطلع للمرء بخلق خاص فى معاملاته، وبرغبة فى إلتزام طرق الرباط فى الحياة الاجتماعية التى تتجلى فى إطاعة الحاكم بعد تفاهم مشترك بينهما. فأرجاء الوطن العربى يكمل بعضه بعضاً وتؤلفه مجموعات مترابطة متناسقة التى بها تنجح بسبب ذلك الرباط. فالبشر يألفون أرضهم على ما فيها وبها، ولو كانت قفراً مستوحشاً، وحب الوطن هنا هو غريزة متأصلة فى النفوس تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه وعليه، ويحن إليه إذا غاب عنه وبعد، ويدفع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص، فالوطنية بهذا الوصف ليست شيئا غريبا ولا غير مستغرب. فالحنين للوطن والمجتمع والولاء لترابه، والتفانى فيه والعمل به هذا كله من منبع الضمير الوطنى الخالص، فالأرض اهتزت بشرائع الدين، وحضارة أمة، فالإرتباط هناك دلالته ومغزاه.
لا ريب أن المجتمع العربى الآن قد ازدهر بالنزعة الإنسانية النبيلة قدر المستطاع وأفاد منها أجل الفائدة وذلك لأن أمتنا لا تتخلى عن رسالتها الإنسانية الكبيرة، ولا تحب أن يطالبها أحد بنسيان تلك الرسالة، ولا أن يختلها أحد عنها بالعناوين المضللة.
إن الوحدة والترابط داخل المجتمع تعتبر سمواً بالإنسانية إلى مستوى العالمية الرفيع، ذلك المستوى الذى ينادى به قادة الرأى السديد، ويحلم به زعماء الإصلاح، ويهتف به الفلاسفة الدعاة إلى غد أسعد، وعالم أفضل فقد كانت تلك الوحدة عاملاً من عوامل التجمع والتكتل والتقارب وعنصراً من عناصر التفاهم، وسبيلاً إلى أخوة المجتمع الواحد أخوة فى الروح.. إنما أخوة روحية أخوة الدم والنسب، لأنها أخوة قائمة على دعائم من العقل والمنطق، مستندة إلى مدد من الرأى والفكر والتفاهم المستنير، مستجيبة لهواتف الوجدان، مستهدفة للمثل العليا للحياة والمجتمع فى الحياة التى هى الضامن والتعاون والسلام.
لا شك أن الظواهر تبث من إصلاح الفرد ويكون عنوانها صحة الضمير وواقعنا يتحدث عن مسئولية كل فرد فى المجتمع ودوره فى انتشال الآراء المغلوطة والفكر الهدام من البحر الهائج المائج لتلك الأفكار والمعتقدات والتصورات التى تتعارض مع أفكار وتصورات المجتمع الأصيلة لإعادته إلى عهد مجده وسيادته، فالمجتمع إنشاء كوردة جميلة يحبها كل الناس فلا سلامة لها ولا صيانة إذا كان يحوم حولها الشوك الذى يصونها من الأيدى الخبيثة العابثة المخربة، فلو انحرف هذا الشوك عن فطرته إذا فلا بقاء لهذه الوردة.
فنحن أصبحنا فى حاجة ماسة ضرورية ملحة إلى تعاون وثيق متبادل أكثر، وثقة لا غنى عنهما لأى مجتمع وبلد يريد التقدم والاكتفاء الذاتى لنفسه والتخلص من الفكر الهدام لبناء مجتمع صالح.
علينا أن ننشئ مجتمع نموذجيا مثاليا، مجتمعاً خلقياً، فيجب أن نزيل كل الخلافات بين الطوائف الدينية والتنافر بين أفراد المجتمع الواحد والتناقض بيننا والفساد المنتشر وضعف الأخلاق والإخلال بالواجبات التى تربطنا بوطننا ومجتمعاتنا. علينا أن ننشئ بيئة صالحة تجمع كل الوحدات المتنافرة فتكون حياة واحدة لا مقسمة تقود بلادنا ومجتمعاتنا إلى التماسك بعروبتنا الأصيلة وبترابط أيدينا المتأصلة، فالمسئولية ترجع علينا جميعاً فلابد أن يسود بيننا الاحترام المتأدب والتواضع الذى يرفع والبساطة فى العلاقات بيننا، والمشاعر الجديدة التى تصل بنا إلى قمة الإنسان العربى، فعلينا أن نسعى كلنا حابين ومتحابين ومتصالحين إلى هذا المجتمع المترابط حتى تسعى إلينا هائجة كل الشعوب والمجتمعات الأخرى.
محـمد شـوارب يكتب: حتى يعود مجتمعنا إلى الترابط المطلوب
الثلاثاء، 28 يونيو 2016 04:00 م
ورقة وقلم – أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة