ما بعد اعتراف البرلمان الألمانى بإبادة الأتراك للأرمن
يمكننا القول إن قرار البرلمان الألمانى بالاعتراف بإبادة الأرمن على أيدى الأتراك فى عهد العثمانيين تاريخى، يمكن القياس على ما قبله وما بعده فى تعامل الدولة الألمانية والأوروبيين عمومًا مع تركيا أردوغان، والملفات الشائكة المتعلقة بها، ومنها بالطبع قضايا اللاجئين، وعضوية أنقرة فى الاتحاد الأوروبى.
أردوغان هدد وتوعد السلطات الألمانية منذ إدراج مشروع قرار الاعتراف بإبادة الأرمن على جدول أعمال البرلمان الألمانى، وهدد بقطع العلاقات مع الحكومة الألمانية، ووقف المفاوضات الجارية بينهما فى القضايا الحيوية، لكن المستشارة أنجيلا ميركل، ورئيس البرلمان نوربرت لامبرت تجاهلا تهديدات السلطان العثمانى الجديد، حتى انتهى الأمر إلى التصويت بأغلبية ساحقة على الاعتراف بإبادة الأرمن، ووصف «لامبرت» القرار بقوله: «التعامل مع الأحداث التاريخية يمكن أن يكون مؤلمًا، لكنه تقييم صادق، ونقد ذاتى للماضى، وشرط مسبق للتفاهم والمصالحة والتعاون، وإذا كانت الحكومة التركية غير مسؤولة عما جرى منذ 100 عام، فإنها تتشارك المسؤولية عما يحدث مع الأرمن فى المستقبل».
إذن على تركيا أن تستعد لدفع تعويضات هائلة لكل العائلات الأرمنية المضارة جراء المذابح وعمليات الإبادة مطلع القرن العشرين، وعليها أن تواجه إجراءات العزل الأوروبى والوصم، والمنع من دخول الاتحاد الأوروبى حال مقاومتها توالى الاعتراف من الدول الأوروبية بجريمة العثمانيين، كما أن ملف اللاجئين العرب إلى أوروبا عبر منافذ تركيا سيجرى احتواؤه، ولن يكون بعد الآن ورقة ضغط فى يد أردوغان.
ما لا يجب أن نغفله فى هذا السياق، أن مصر كانت من أوائل الدول التى احتضنت المهاجرين الأرمن الفارين من المذابح، ووفرت لهم ملاذًا آمنًا وحياة كريمة، وسرعان ما اندمج الأرمن الهاربون فى المجتمع المصرى، خصوصًا فى القاهرة والإسكندرية، وبرع منهم كثيرون فى التجارة والأعمال اليدوية والفنون المختلفة، وظهر منهم نجوم ساطعة فى السينما والمسرح والصحافة، لكن الغريب أن مصر التى احتضنت الأرمن الناجين من المذابح لم تعترف حتى الآن بجريمة الأتراك العثمانيين، ومسؤوليتهم التاريخية عن إبادة الأرمن
السؤال الآن: لماذا لم تعترف مصر بمسؤولية تركيا العثمانية عن مذابح الأرمن؟، وهل هناك أفضل من مناسبة اعتراف ألمانيا بالمذابح حتى تنضم مصر لقائمة الدول والمنظمات الدولية التى اعترفت بجريمة العثمانيين القتلة، ومن بينها الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، و20 دولة أخرى؟، ولماذا هذا التكاسل عن حصار تركيا المعتدية الظالمة، فى الوقت الذى توفر فيه الدولة التركية ورئيسها المتغطرس كل الأسلحة والأدوات لمحاربتنا وإيذائنا ودعم كل من يعادينا فى الداخل والخارج؟!
أليست تركيا أردوغان هى التى تحتضن الإرهابيين الإخوان، وتمنحهم الملاذ الآمن والمال لنشر أكاذيبهم فى الفضائيات المملوكة لهم؟، أليست تركيا هى إحدى الدول الضالعة فى الأعمال الإرهابية على مصر عبر توفير المعلومات والسلاح للإرهابيين عبر أنفاق غزة؟، أليست تركيا أردوغان هى الدولة الأكثر
تطاولًا على مصر ورئيسها فى جميع المحافل الدولية؟
لماذا إذن لا ننتهز الفرصة ونرد لها ضربة موجعة بالاعتراف بعمليات الإبادة الجماعية ضد الأرمن؟، ولماذا لا نسمح للجالية الأرمينية بإنشاء نصب تذكارى لضحاياهم فى مصر؟
أمر غير مفهوم تمامًا وغير مبرر، ولا يمكن تفسيره إلا بأننا نفتقد العقول التى تستطيع إدارة معاركنا الخارجية بكفاءة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة