بعد المتابعة الدقيقة فى هذا المشهد العجيب من السرعة لعودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل والزيارات المتزايدة بين روسيا وإسرائيل، والاعتذار المفاجئ الذى صدر مؤخرا من أردوغان عن السقوط للطائرة الروسية من داخل الأراضى التركية، والتعاون المستمر لكل من إيران وتركيا وإسرئيل مع عدد من الأطراف الفلسطينية المختلفة، مما ترتب عليه حالة من التدخل الواضح فى أهم الملفات العربية، وصعوبة من تحقيق نوع من المصالحة الحقيقة بين الفصائل الفلسطنية بدون مقايضة أو تدخل من الأطراف الإقليمية، وذلك ليس بكل شىء، ولكن ما سبق من التصريحات والمحاولات غير المباشرة لتحويل القضية الفلسطينية من قضية عربية يتم تحديد إطارها داخل الجامعة الدول العربية إلى قضية إسلامية بامتياز تخضع للمنظمة الإسلامية بقيادة تركيا، نعم وذلك بهدف فتح باب للدخول، والتحكم، لكل من تركيا وإيران فى الشؤون العربية من خلال هذه الأطراف الإقليمية، ووجدنا بالفعل الطريق ممهدا لها فى ظل حالة التناقض المتزايد بين المبادئ والمصالح العربية، نعم فهذه من ضمن الحقائق التى فتحت باب الاختراق المستمر فى تحديد مصير القضية الفلسطينية، وتحولت القضية لكعكة تفاوض تقبل الانقسام والتقسيم على العديد من الأطراف لهذا كله كانت دعوة الرئيس السيسى للفلسطينين والإسرائيلين التى اعتبرها البعض مفاجأة لإعادة النبض فى القضية المعقدة، من أجل تحقيق السلام.
الحقيقة أن التوقيت والإعلان كان مهما جداً فهو ضمن رسالة يفهم منها فى علم السياسة، إنه لا مجال للآخرين فى هذا الإقليم لفرض أمر واقع على الأرض أمام دور وحجم مصر، وإفشال كل المحاولات من القضم والتحجيم لمصر فى هذه القضية لحساب أطراف أخرى «تركيا وإيران وإسرائيل»، حتى فى ظل كل ما تعانيه مصر من الضغوطات والتحديات، فالمبادرة الفرنسية والجهود السويسرية وغيرها لا تعنى أبدا الإغفال لدور مصر التاريخى، وما تفرضه الحدود، فتربطنا بالأطراف الفلسطينية والإسرائيلية مساحة من القلق الكبير، وبالتالى الدور المصرى يأتى بحكم الجغرافيا السياسية والتاريخ، إلا أننا فى النهاية لا نستطيع تحقيق قدر من التغيير فى هذه القضية بدون المشاركة والإرادة الدولية ومظلة أممية وجهد عربى لضمان الدعم والتنفيذ وأمام مرحلة الفراغ الموجودة حاليا بسبب التقلص لدور الأمريكى، والغياب للطرح الروسى، وتخبط أوروبى، فهناك الأهم وهو الإرهاب ومشاكل اللاجئين، مما جعل الغياب الواضح لعمل الرباعية الدولية ووجدت المبادرة الفرنسية مكانا لها فربما قد تسهم لاستعادة الأمل عربيا بعد تنوع علاقاتها مع مصر والخليج، وفرصة أيضا إيجابية لحساباتها الداخلية والانتخابات المقبلة، فتتقدم بدور المساهم والمكمل وليس المنافس لأمريكا فى عملية السلام وتجمع العدد الأكبر من الأطراف المعنية، ولكن لم يسجل لها الزخم والنجاح فى الحضور حتى فى المضمون للتمهيد لأعمال المؤتمر، ولكن مصر وبإصرار كانت موجودة وداعمة، لأن هناك من يعمل لاستبدال الأدوار بمثلث آخر جديد فى المنطقة بتركيا إيران إسرائيل بدلا من السعودية ومصر وسوريا، فتحركت مصر بوضوح وقبل إعلان المصالحة التركية، وقامت بعدد من اللقاءات المعلنة وغير المعلنة بأطراف فلسطينية وإسرائيلية وسجلت الخبرة والقدرة على الضغط والتوصل إلى حلول، ولأن التجربة تؤكد لإسرائيل فى عملية السلام مع مصر أنها تفضل الالتزام المصرى ربما أكثر من التركى الذى ينقلب عليها فى أول منعطف، ومن ثم تهرول عليها من جديد وتعود بقوة بعد عزلة وفشل علاقتها مع روسيا ومصر وسوريا.
أما علاقة إسرائيل بإيران فهى منافس فى الطموح النووى والنوايا للتسلط والاحتلال من العراق وسوريا ولبنان، فأصبحت مهددة بمليشياتها المسلحة لدولة إسرائيل من الحدود على البحر المتوسط، لذلك مهما كان الاتفاق فهو مهدد فى الوجود فى ظل حرب تقسيم النفوذ الحالية، وجدت تركيا وإيران وإسرائيل الفرصة لإعادة التموضع بمساحة أوسع فى ظل غياب دولى وعربى من انتهاء مدة الأمين العام للأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل، وانتهاء مدة الرئيس الأمريكى قبل الخريف المقبل، وأمين عام جديد لجامعة الدول العربية الشهر المقبل، بالإضافة لإعلان الخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى منذ أيام، مما يتسبب كل ذلك لتداعيات مهمة على الجانب الاقتصادى والسياسى والدبلوماسى، لذلك تظل قيادة مصر تتحرك لتحافظ على توازنها القوى فى منطقة آيلة للسقوط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة