وائل السمرى

مرض مصر الأول

السبت، 04 يونيو 2016 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فاروق حسنى وضع يده على بيت الداء


برغم ثراء الحوار الذى أجراه الكاتب الصحفى، خالد صلاح، مع الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، عبر فضائية النهار، لكننى هنا سألتقط تفاصيل واقعة واحدة سردها «حسنى» فى سياق هذا الحوار لأتحدث عنها، إذ قال حسنى إن بعض المستثمرين الأجانب أتوا إلى مصر لبحث فرص الاستثمار بها، وبعدما عاينوا بعض المشاريع، وراجعوا بعض الخطط، كادوا أن يشرعوا بالفعل فى الاستثمار فى مصر، ثم حدث أن خرجوا من الفندق الذى أقاموا به، ليذهبوا إلى مكان «ما» فمشى بهم السائق «عكس اتجاه السير» فى شارع عمومى، فما أن رأوا هذا الأمر حتى عقدوا العزم على مغادرة مصر بلا رجعة، ليقينهم من أن الدولة التى تسمح بسير سيارة عكس الاتجاه، هى دولة مرتعشة القبضة رخوة لا تقوم مؤسساتها بالدور المطلوب.

الوزير السابق تدفق فى حواره مع «خالد صلاح» ليدلى برأيه المتعمق فى العديد من القضايا الشائكة، وقد أكسبه البعد عن المنصب بريقا، وأكسبتنا الخبرة يقينا بأننا فقدنا وزيرا «حقيقيا» يمارس الفن، ويقرأ الفلسفة، ويستمتع بالشعر، ويستمع للموسيقى، ويهوى العمارة، ويعشق التجديد، وهذا ما ظهر واضحا أثناء الحوار الذى أتى هادئا بطعم الخبرة، وواثقا ببريق الإبداع، وهذا ما ظهر واضحا فى ذكر تلك الواقعة التى تؤكد أن الشيطان يكمن فى التفاصيل، وأن الأسباب الظاهرة لعزوف المستثمرين عن الاستثمار فى مصر مثل الإرهاب، وعدم الاستقرار على أهميتها، ليست هى الأسباب الوحيدة، بينما هناك العديد من الأسباب القاتلة غير الظاهرة، وما هذه الواقعة سوى نقطة فى بحر الهزائم.

وضع «حسنى» يده فى سرد هذه الواقعة على بيت الداء، وداؤنا هو «عدم الانضباط»، وعلاجنا هو «الانضباط»، فأنت تمشى فى الشارع لتواجه كل يوم «بلطجة» عمومية من الجميع ضد الجميع، والأكثر قدرة على الابتذال هو الأكثر قوة والأعلى يدا، وعلى هذه الشاكلة تقع حياتنا كلها، ولا أنسى هنا قول أحد أصدقائى الخليجيين، الذى كان يشتكى لى مر الشكوى من «مستوى الخدمات فى مصر»، فلا وجود لعامل مخلص، ولا وجود لحرفى «منضبط» بداية من الكهربائية والسباكين وسائقى التاكسى، وصولا إلى كبار الموظفين، والمفارقة المؤلمة بالنسبة لى وله هو أنه أتى من بلده التى يشتهر فيها العمال المصريون بالكفاءة، لكنهم فى مصر «غير منضبطين» وهذا كل ما فى الأمر.

عدم الانضباط فى مصر هو الأزمة الحقيقية، وهو الوزر الذى تتحمل وزره «الدولة» وحدها دون سواها، فالدولة هى المسؤولة عن التعليم، والدولة هى المسؤولة عن التقويم، والدولة هى أيضا المسؤولة عن التقييم، وبيدها لا بيد أحد آخر أن تعلم وتقوم وتقيِّم، إذ يجب على الدولة أن تعى أنها لا تحكم أيضا شعبا من المجرمين أو من الملائكة، وكفى بنا هما وغما أن يعكف المواطن عن اللجوء إلى مؤسسات الدولة، إذا ما اغتصب أحد حقه لعلمه أن «الدولة مش فاضية ليا» فيصير الظلم متفشيا، ويصير القهر أسلوب حياة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة