- تضامنا مع مفتى الديار المصرية
فرض الله الصيام على المسلمين للعديد من الأسباب، لكن لم يذكر أى نص دينى أن هذه الفريضة عقوبة يعاقب بها المسلم مدى الحياة، ولهذا فإنى تعاطفت كثيرا ما الفتوى التى أفتى بها الشيخ الفاضل، شوقى علام، مفتى الديار المصرية، والتى يجيز فيها إفطار طلاب المدارس لبعض أيام شهر رمضان، إذا ما تضرروا من الصيام، وكانوا مضطرين إلى المذاكرة أو دخول الاختبار، وفى الحقيقة، فإننى قد تعجبت كثيرا من حملة الهجوم على الشيخ الفاضل بسبب إصداره لهذه الفتوى الإنسانية، التى تجعل من الإسلام دينا حقيقيا، وليس فترة عقوبة يعيش المسلم فى ظلها، ما دام هو فى الدنيا، لكن للأسف توغلت روح التطرف فينا، وجعلت رخص الله التى يحب الله أن تؤتى وصمة عار فى جبين من يترخص بها، فلماذا نشق على أنفسنا ولماذا نسىء للإسلام أكثر مما يسىء إليه أعداؤه؟
نظر الدكتور شوقى علام إلى وضع بعض الطلبة المتردى أوقات الامتحانات، كما نظر إلى درجات الحرارة المتوقعة خلال الشهر الكريم، ونظر إلى الأثر النفسى والجسدى الذى يتركه الصيام فى الأنفس، ونظر إلى مستقبل الكثير من الشباب الذين عملوا طوال العام على تحصيل موادهم الدراسية، آملين أن يظفروا بالنجاح أو التفوق، وفى ذات الوقت نظر إلى حكمة الله من فرض الصوم، ونظر إلى الرخص الإلهية الممنوحة للعباد، ليفطروا إذا ما شق عليهم الصيام، وبعض هذه الرخص أخف وطأة بكثير من وطأة الامتحانات واستذكار الدروس، وبعد كل هذا وجد أن الإفتاء بجواز الإفطار فى أوقات الامتحانات مع التعويض عن هذا الإفطار أفضل للإسلام والمسلمين على حد سواء، فأفتى بهذه الفتوى لييسر على العباد، فأين الجريمة فيما فعل؟
تخيل معى أنك طالب فى الثانوية العامة، وأنك مقبل على امتحاناتك، مستوى السكر فى الدم منخفض للغاية، ومستوى التركيز يقترب من الحد الأدنى، جائع ظمآن مشتت الانتباه، خرجت من بيتك ومشيت فى هذه الشمس الحارقة، فتبخر ما بجسدك من مياه، ثم بعد كل هذا دخلت إلى الامتحان، ورأيت الأسئلة فشعرت بأنك تعرف الإجابة تماما، وأنك كنت متوقعا هذا السؤال تحديدا، ولذلك راجعته مرارا وتكرارا، وحينما هممت بكتابة الإجابة وجدت المعلومات تتبخر من رأسك، ووجدت الكلام يتطاير كأنها حفنة رمال فى الصحراء، ولهذا فشلت فى أن تجيب على السؤال، أو حتى فشلت فى أن تجيب عليه بالشكل المثالى، ولما أتت النتيجة وجدت درجاتك منخفضة بسبب ما عانيته وقت الامتحانات، فأى ذكرى حسنة ستحتفظ بها لرمضان؟ وكيف ستنظر إلى الدين بقية حياتك؟
بين البشر وبعضهم البعض فروق فردية، منهم من يستطيع الصوم والعمل بكفاءة، لأن إمكانياته الجسدية تؤهله، ومنهم من لا يستطيع، فلماذا نسمح لتشددنا أن يجعل الصيام عدوا للمستقبل، بأن يضعف من بعض الطلبة المجتهدين، فيصبحوا هم والكسالى سواء؟ ولماذا نظلم أبناءنا بأن نختبرهم مرتين بدلا من مرة واحدة، مرة فى المواد الدراسية التى سيمتحنون فيها ومرة فى قياس قدرتهم على الاحتمال؟