تتقدم الدول بالمبادرات الصغيرة التى إن لاقت نصيبا من الدعاية الإعلامية الإيجابية يكون نتيجتها مزيد من النجاح والتكرار فى أماكن أخرى بصياغات مختلفة، ويا حبذا إن كانت تلك المبادرات تنطلق من مؤسسات الدولة بإيمان وقناعة، فكرة ومضمونا.
من بين هذه المبادرات كانت دعوة الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة للطلاب المفصولين العودة إلى الجامعة من جديد لاستكمال التعليم وطى صفحة الماضى، ضمانا لمستقبل أفضل للشباب ومراعاة لأهالى الشباب المفصولين.
المبادرة جاءت مشروطة بأمرين، الأول هو عدم تورط الطالب فى أى اعمال عنف، والثانى هو عدم إضرار الطالب بالمال العام، وهذان الشرطان ينطبقان على مئات الطلاب بجامعة القاهرة، وخروج هذا القرار فى ذلك الوقت يمثل طاقة أمل جديدة لدى قطاع كبير من الشباب الذى تورط بشكل أو بآخر فى مظاهرات.
خطوة الدكتور جابر تمثل نضجا فكريا لدى قيادة جامعة القاهرة فى الحوار مع الطرف الآخر المتمثل فى الشباب المفصولين وأن الفكرة فى عقاب الشباب ليست بالفصل، ولكن بأن يتعلموا من أخطائهم، لذا قرار فتح الباب لدى الطلاب للعودة هو قرار يحمل فى مضمونه مزيدا من الوعى الجديد لدى الجامعة والطلاب أنفسهم المتحمسون مع المبادرة والراغبون بالفعل فى العودة بعد الاعتراف بأخطائهم فى الماضى.
تخيل حضرتك مصير مئات الطلاب المفصولين بلا هذه المبادرة، تخيل أسرهم، تخيل نظرات الشباب للدولة، هل سيحبون الدولة، يتمنون لها الخير، هل سيكون لديهم أمل فى الحياة، هل سيحلمون بمستقبل أفضل، هل سيتفاعلون مع القضايا اليومية المصرية بحماس إيجابى.. لا والله، لأنه شاب لن ينظر للبلد إلا من قاعدة أنها فصلته من الجامعة، وجعلته بلا أى هوية.. أما الآن وبعد تلك المبادرة، فالوضع تغير ونظرة الشاب أيضا تغيرت تجاه جامعته، ومن ثم حكومته ومن ثم دولته ونظامها بشكل عام، حتى وإن كان التغيير جزئيا نوعيا محدودا وليس شاملا.
الأصل أن تغيرا حدث بالفعل، الأصل أن الحوار الفكرى بدأ مع الطلاب، الأصل أن باب الاحتواء تم فتحه، الأصل أن ما فعله جابر نصار بجامعة القاهرة قد يكون نموذجا لجهات أخرى بالدولة تسعى نحو هذا الحراك ونحو هذا الإطار من التفكير، ليس فقط مع شباب الجامعة، ولكن مع الشباب المحبوسين فى قضايا سياسية أو على خلفية قانون التظاهر، مع الشباب المحبوسين على خلفية مظاهرات بعد 3 يوليو، ولم يتورطوا فى أعمال عنف.
تخيل لو أن هذا جرى، ماذا ينتظر مصر من مستقبل.. دعنى أقول لحضرتك أنه إذا كانت الدولة تخاف من الحوار مع الشباب المختلف معهم سياسيا المحبوسين على ذمة مظاهرات وليس أعمال عنف، فإن آجلا أم عاجلا سيخرج الشباب من السجن بعد قضاء المدة، بعد عام أو عامين أو ثلاثة أو عشرة، ولكن خروجهم سيكون تأثيره مختلفا، سيكونوا قد تشبعوا بأفكار تأثيرها على المجتمع أكثر سلبية، لأن السجون ما هى إلا مكان تختلط فيه الأفكار السيئة لتنتج أفكارا أكثر سوءا، ولك أن تعلم أن أخطر فكر إرهابى تواجهه مصر حاليا وهو فكر جماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية، قد تشكل فى سجن طره بين 3 من المعتقلين، تعرفوا على بعض لأول مرة داخل السجن، وهم توفيق فريج ومحمد بكرى هارون ومحمد على عفيفى، وهم أخطر 3 إرهابيين فى السنوات العشر الأخيرة بمصر.
نهاية القول، لكى لا تخرج الجامعات 3 من الإرهابيين مثل فريج وبكرى وعفيفى، كانت المبادرة الطيبة من جابر نصار، ولكى لا يخرج من السجون إرهابيون آخرون نحتاج مبادرة جديدة من الدولة المصرية بعيدة عن أى متورط فى أعمال عنف أو إضرار بمؤسسات الدولة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة