ليس صحيحا أن «الكثرة البشرية مصدر قوة» كما يفتى شيوخ السلفيين الذين يُحرمون تحديد النسل، وفى بلد بظروف مصر، هى مصدر تعاسة وفقر وشقاء وحرمان، فنحن لسنا استراليا القارة الخالية التى تبحث عن مهاجرين، ولا أوروبا العجوز التى تتراجع فيها معدلات الإنجاب بصورة مزعجة، نحن فى مصر بلد الساعة السكانية، التى يزيد معدل الزيادة السكانية فيه على الصين 5 أضعاف، ويبلغ عدد سكانه مليارا و400 مليون، ومصر أكثر من 90 مليونا.
نحن فى مصر التى تزيد مليونا مولود كل سنة، وأدى الفكر المتخلف إلى ترسيخ معتقدات خاطئة فى أذهان الطبقات الفقيرة، الذين ينجبون بلا حساب، ويرمون أطفالهم فى الشوارع لتربيهم وتطعمهم وتعلمهم، فلا صحة ولا رعاية ولا تعليم، وإنما أجيال تلى أجيالا، وترث الفقر والمرض والبطالة والحرمان، ويكفى تدقيق النظر فى المناطق المزدحمة، مثل بولاق الدكرور ودار السلام والمنيرة وإمبابة وعين شمس وغيرها، وكأنه يوم الحشر العظيم، حيث تنشق الأرض كل دقيقة عن بشر هائمين على وجوههم، ترجمة للأعداد التى تقذفها الساعة السكانية فى مدينة نصر.
كفى استغلالا للدين فى تغييب العقول، لأننا نؤمن بالله دون أن نراه بالعقل والقلب، والعقل والقلب يقولان لا تكونوا كالأرانب والفئران، لأن الله كرم الإنسان أحسن تكريم، ومن مقومات الكرم أن يعيش حياة آدمية تليق بالبشر، فلا يُحشر فى عشة ولا يترك فريسة للجوع والمرض، والطريق إلى ذلك هو المثل الذى يقول «على قد لحافك مد رجليك»، ولحاف مصر قصير، ولا يحتمل مد الرجلين، بإنجاب مليون طفل كل ستة أشهر.
لا يمكن أن نفعل مثل الصين التى عالجت الزيادة السكانية، بتعقيم جيل بأكمله، ثم بقصر الإنجاب على طفل واحد، ولا يعرفون الهزار مع من يخالف، فأهون العقوبات هى حرمان الطفل الثانى من كل الحقوق، التعليم والصحة والعمل، غير العقوبات الصارمة التى تقع على الوالدين، ويواجهون المخدرات بالإعدام، ويتحمل أهل المحكوم عليه، ثمن حبل المشنقة، ويتم انتزاع أعضائه وزرعها لآخرين، وإذا كانت مصر لا تستطيع أن تفعل ذلك لاعتبارات كثيرة، فالمطلوب على الأقل أن تتوقف فتاوى الجهل، التى لا تراعى المصالح المرسلة للمجتمع، وهى من مصادر التشريع.
يقول السلفيون الذين يحرمون تنظيم النسل، إن «مصر بسكانها الحاليين يعيشون على أقل من عشر مساحة مصر، بمناخها المميز وموقعها الفريد وأراضيها السهلة وصحرائها التى تعوم على مياه جوفية، ثم نشكو وضعنا الاقتصادى ونحمل زيادة السكان فشلنا، فإننا نحارب الله ليل نهار ونعالج مشاكلنا، بنوعيات بشرية هى نتاج محاربة الله، فأنى لنا بالفلاح»، وكلامهم الذى بين القوسين نموذج فاضح للكذب والغش والخداع، وحق يراد به باطل، لأن الإنسان هو الذى يعمر الأرض ويصنع التقدم والتنمية وليس العكس، والدول التى تتقدم تكون شعوبها قوية ومتعلمة وسليمة ومتعافية، بالمدارس والجامعات والتربية والتدريب وتوفير سبل الحياة الكريمة، والأهم من كل ذلك تنوير العقول وتحريرها من الجهل والاستسلام، فلا خير فى أمة ضعيفة، مهما تكاثر سكانها، إذا كان شعبها فى أدنى الدرجات.
تنفسنا الصعداء عندما امتدت يد الدولة للعشوائيات، لإنقاذ سكانها من الدرك الأسفل من الحياة، ولكن هذا لا يكفى إذا استمرت قذائف النسل دون تنمية اقتصادية، تعادل ثلاثة أضعاف النمو السكانى، وإذا لم يحدث ذلك ستعود العشوائيات وتنتشر تلك البؤر السرطانية من جديد، لأننا ننتج أطفالا دون أن نوفر لهم أماكن فى المدارس، وبغير رعاية صحية واجتماعية، فتسود أخلاقيات الزحام وتتفشى الأمراض الاجتماعية، وتنمو بيئة نموذجية صالحة لانتشار أفكار السلفيين.