إصلاح التعليم بأكثر من اللطم
لا نقلل من خطر تسريب الامتحانات، لكن التسريب عرضا وليس مرضا، وعندما استعرض آراء بعض المعارف والأصدقاء عن تسريبات الامتحانات والغش، تفاجئنى ردود أفعالهم المتفاجئة، ويبدون أحيانا كائنات فضائية، يبدون مصدومين منذهلين كأنهم لا يعرفون.
بعضهم تتلبسهم حالة التنظير السوشيالى، يبدأون فى تعداد عيوب التعليم، وأن التسريب يكشف عن فساد العملية التعليمية والنملية التربوية. ويختمونها بـ«مافيش فايدة»، وأننا دولة متخلفة وشعب مالوش لازمة، إلى آخره المنولوج الكاتلوجى لنظريات الاكتئاب السوشيالى. ومع هؤلاء زملائنا المواطنون الذين كتب لهم السفر والعيش فى الخارج، يمصمصون شفاههم ويلعنون التعليم المجانى ويضاعفون شعور الاختناق بصب اللعنات، والتأكيد على أنهم أصبحوا مواطنين فى دول متقدمة، ولا يقدمون جديدا تتأكد من طريقتهم أنهم يفكرون بطريقة التعليم المجانى الذى شربنا منه حتى ارتوينا يعنى بينتقدوا من دون أسئلة ولا معرفة.
بالمناسبة لم يكن التعليم على أيامنا أفضل كثيرا مما هو الآن، بل ربما المناهج اليوم تطورت، العلوم والرياضيات أصبحت أكثر تحديثا، لكن بداية الانهيار الحقيقى كانت معنا نحن الذين لم ننغمس فى الدروس الخصوصية لكن شهدنا مولدها، وعاصرنا انتهاء وجود اللغات الأجنبية وكثير من العربية ورأينا أجيالا لا تعرف لا اللغات الأجنبية ولا حتى اللغة العربية. بينما كان آباؤنا متوسطى التعليم يجيدون اللغات والعلوم أفضل من بعض جامعيينا. رأينا شيوع توريث المناصب الجامعية والقضائية والوظائف، فى الثمانينات، وهو ما جعل هذه الوظائف الخطيرة، فى أيدى ضعفاء تعليميا وبحثيا، وحرم أصحاب الحق من الفرص، تم إلغاء الحافز الشخصى وتكافؤ الفرص.
الخلاصة، أننا نواجه تراجع التعليم من سنوات، وكل شخص أو جماعة يحاول تطوير نفسه بالتثقيف، وما أفسد الأمر كله وأخطر ما جرى ليس المناهج ولا تكدس الفصول انخفاض راتب المعلم واتساع الخصوصى، مع نظام امتحانات عقيم مصمم للأغبياء، لا يساعد على التفكير وطرح الأسئلة. يخلو من الثقافة والقراءة والبحث العلمى، حتى المواطنون الذين يحصلون على تعليم بالنظام الأمريكى وألمانى والبريطانى تجدهم ليسوا أفضل من زملائهم العاديين، بل ومازالوا متفوقين يخرجون من مدارس الحكومة.
كل هذا يقول لنا إن الأمر ليس مستحيلا، وأن إعادة تكافؤ الفرص وإنهاء توريث المكانات الجامعية أو الوظيفية، وتغيير نظام الامتحانات، يمكن أن يساعدنا على الخروج من هذا. التسريب كاشف لكن الاختراقات والقرصنة تثبت يوميا استحالة التأمين الشامل. وكل يوم وثائق وأوراق يتم تسريبها.
وهى أمور لا يكفى معها اللطم وشق الجيوب وشتم التخلف الافتراضى، يحتاج أن نتخلى عن كوننا نزلاء فندق ينتقدون الخدمة، وأن نعترف بأن الأمر من سنوات وعقود، ويحتاج شجاعة أكثر من مجرد اللطم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة