الفرق بين رمضان زمان والآن شاسع جداً وكبير لا زلت أذكر شهر رمضان المبارك زمان جيداً وكأنه الآن، لأن رمضان فى صعيد مصر مختلف عن المدينة ويختلف من دولة إلى آخرى لكن الروح واحدة والمحبة واحدة والحنين واحد وتتشابه العادات والتقاليد خاصة ايام رمضان واحدة، ولقدوم شهر البركات فى هذه القرى ذكريات تختزن تاريخًا لعادات وتقاليد الأهالى واحتفالاتهم بقدوم الشهر الكريم، فمن عاش تلك الأيام الجميلة يعرف أن حلول رمضان له وقع خاص ومتميز، وطقوس جميلة تستشعر من خلالها عبق رمضان وقدسيته وروحانيته التى تعبر عنها تلك الأجواء الرمضانية المشبعة بدفء العلاقات والتواصل بين الأهالى وروائح الأكلات الشعبية التى تنتشر فى أنحاء القرى.
فقد كان لقدوم الشهر المبارك فرحة خاصة اولا: كنا نستعد له وبداخلنا حنين لا ينقطع وتغمرنا السعادة باللبس الجديد من جلباب ابيض وحذاء جديد وشال وعباءة، ونظرًا لعدم وجود وسائل إعلام فى تلك القرى فى ذلك الوقت سوى الراديو والتليفزيون والأعمال الفنية الهادفة التى تبنى ولا تهدم، كان الناس فى مصر وجميع الدول العربية عندهم رمضان زمان احلى وأفضل فى جميع الحالات وكانوا ينتظرون بفارغ الصبر ولادة الشهر المبارك من خلال الراديو أو التلفاز ليستمعوا بعدها لصوت المدفع معلناً شهر رمضان، فيبدأ الأطفال الصغار والشباب الانطلاق فى ساحات القرية ابتهاجاً بقدوم شهر الرحمة وكنت انا اقف وأخوتى نذهب إلى والدنا لشراء الفوانيس واللعب ونتمم على ملابسنا الجديدة ونتأكد انها على اكمل وجه، ويبدأ الرجال ونحن معهم بتنظيف المساجد لاستقبال المصلين، وتبدأ النساء فى الاستعداد لإفطار رمضان وتنوع الاصناف، فتشم رائحة الأكل المميزة لهذا الشهر الطيب من تلك الليلة وكل ليالى رمضان.
وفى أول أيام الشهر الكريم كان الجيران يتبادلون أطباق الأطعمة بينهم وخاصة الحلويات، وكانت عائلتى يتجمعون لتناول الإفطار وكنت احب هذا المنظر الاسرى حيث اخى الاكبر كان يسافر كثيراً وفى رمضان نجتمع جميعا فى جو حب وتناغم ورحمة بيننا، وبعد ذلك بعد الانتهاء من الافطار ونستمتع بالحديث الأسرى ويؤذن المؤذن لصلاة العشاء وحلاوة التراويح.
عالم آخر روحانى وجو ايمانى لا يكرر نتسابق إلى المساجد بلباس جديد وبعد الانتهاء نذهب لنرتاح قليلا وقبل الفجر نقرأ القرآن حتى الفجر فى جو روحانى رائع وبعد الانتهاء من صلاة الفجر نكمل قراءة القرآن بالمسجد ولا نغادر حتى شروق الشمس لنذهب إلى اعمالنا أو مدارسنا، وتستمر رحلة الضيف المبارك ويقترب منا العيد ويزداد فينا الحنين وعلى قدر سعادتنا نشعر بالحزن لفراق هذا الشهر الطيب والضيف خفيف الظل. رمضان زمان المساجد لا تخلوا من المصلين وقراءة القرآن حتى قبل المغرب، ويبقى الأطفال فى ساحة المسجد لانتظار " النقرزان " وهو نوع من الطبل على جمل يطوف بالطرقات يعلن عن وجوب الافطار، وفى المدن كان المدفع بجانب صوت المؤذن ليردد الاطفال فى الشوراع لينطلقوا بعد سماع الأذان مسرعين وفرحين إلى منازلهم وهم يرددون (افطروا يا صيام..افطروا يا صيام (ونفس الموضع فى السحور مع عم المسحراتى كانت ايام جميلة بمعنى الكلمة وبسيطة وخاصة فى العلاقات بين الناس من حب ومودة وتراحم وتآخى وصدق فى المشاعر وترابط بينهم وتسابق فى اعمال الخير على الرغم من فقر الكثير من الناس وضيق اليد.
أما عصرنا الحالى اختلفت الحياة كثيرا بعد عدة أعوام بعد أن اشتعل الرأس شيبا وتغيرت الامور نتيجة التطور الكبير الذى يشهده العالم وتشهده التكنولوجيا ليتغير الكثير فى أسلوب حياتنا بشكل عام ونستفيد أحياناً كثيرة من هذا التطور الذى يحدث فى الوقت ذاته ولكن ابتعدنا كثيرا عن حلاوة الماضى بكل ما فيه من معانى جميلة.
مع دخول الإنترنت والأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعى المختلفة إلى حياتنا، أصبحت التهنئة اليوم فى الأغلب لا تقوم على الاتصال بكل شخص فى الهاتف بل نهنيء بعضنا البعض عن طريق صور لفانوس رمضان أو ادعية رمضانية على الخاص أو على الجروبات المنتشرة مثل جروب الوفاء أو على فيسبوك أو رسائل متنوعة، ولم يعد الاتصال بالهاتف موجودًا بكثرة كما كان من قبل.
رمضان مختلف من دولة إلى اخرى عشت لون جديد فى رمضان اتذكر عندا قضيت بعض ايام رمضان بالسعودية بجوار بيت الله الحرام وتحت رحابه أعجبنى كثرة الخير من الموائد المنتشرة التى يقوم عليها اهل الخير بخلاف بعض الدول الآخرى التى لا تهتم لأمر الفقراء ونسيت فتناست .
فى بعض الدول الخليجية مثل الامارات والسعودية وقطر وعمان يقوم اهل الخير بتوزيع السلة الرمضانية وتوزيع الهدايا ولكن على مدار التسع سنوات كل عام يختلف عن الآخر فى السابق كانت المساجد مليئة بالمصليين الآن البعض يفضل يصلى فى بيته والبعض يتابع المسلسلات الرمضانية وغيرها من البرامج على هواتفهم النقاله مع ملاحظة قلة الموائد الرمضانية وانشغال الناس بالدنيا وجمع الاموال وتسديد القروض ونسوا الحديث " عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ وَقَالَ يَدُ اللَّهِ مَلأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَقَالَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِى يَدِهِ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَع ".
الآن أصبح لدى كل منا الهاتف الخاص به فى يديه يمكن أن نتابع كل ما نريد وأصبحت الاسرة مختلفة عن قبل بشكل خطير على المجتمع المسلم، كل عام وانتم بخير ورمضان مبارك.
خلف الله عطا لله الأنصارى يكتب: رمضان حنين لا ينقطع
الجمعة، 01 يوليو 2016 10:00 م
أجواء رمضان
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة