من الطيب أن نسمع الآن مصطلحا جديدا فى الحياة الثقافية فى مصر، والأطيب أن يكون مصدر هذا المصطلح هو وزير الثقافة الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وهو ما يعنى أن السلطة التنفيذية فى مصر ليست على قدر كبير ليس من الثقافة والمعرفة فحسب، وإنما أيضا من القدرة على التطور وابتكار الآليات الجديدة والسياسات الجديدة التى تتطلب صك مصطلحات جديدة، مثل هذا المصطلح الفاتن.
منبع إعجابى بهذا المصطلح هو أنه يرسخ سياسة جديدة فى وزارة الثقافة، من حيث إنها «خدمة» يتوجب على الدولة أن توفرها للجميع دون انحياز أو تمييز، والأبعد من هذا هو أن هذا المصطلح لا يتوقف عند فكرة توزيع الخدمات أو المنشآت والمشاريع فحسب، بل إنه يتعدى هذا إلى اعتبار الثقافة «حقاً» واجباً للمواطن وواجبا على الدولة، وأن هذا الحق لابد أن يتم توزيعه بعدالة، ولو وقفنا عند فكرة اعتبار «الحكومة» ممثلة فى وزير الثقافة أن الثقافة «حق» لكان هذا من معجزات المهندس «شريف إسماعيل» رئيس الوزراء.
ومن الطيب أيضا أن يأتى الإعلان عن هذا الاتجاه الجديد فى الحياة الثقافية فى سياق الإعلان عن افتتاح مشاريع حقيقية قامت بها الوزارة فى الفترة السابقة، ومنها متحف الزعيم جمال عبدالناصر وأوبرا بورسعيد، بالإضافة إلى الإعلان عن توفير أو حصة مخصصة لمشروع أوبرا الأقصر العالمية، وبحسب ما عرفت فإن دار الأوبرا هذه ستتكلف إجماليا ما يقرب من 650 مليون جنيه حتى الانتهاء منها تماما، واستطاعت الوزارة بالاشتراك مع محافظ الأقصر النشيط «محمد بدر» أن توفر ما يقرب من 50 مليون جنيه كدفعة أولى تصلح لإعطاء إشارة بدء المشروع، ولعل هذا التنوع فى مجالات ومحافظات هذه المنشآت الثلاث هو ما يجعل إطلاق مصطلح «العدالة الثقافية» ذا معنى، فيخرج تلقائيا من دائرة «الأقوال المرسلة» إلى دائرة «الأفعال المتحققة».
نتعشم أن تكون هذه السياسة الجديدة بداية لسياسة عامة يتبعها مجلس الوزراء أو تتبعها الدولة المصرية بكل تنويعاتها، وأن تثبت الدولة أنها فعلا تقدر قيمة الثقافة المصرية، وأنها تستعد فعلا للحرب على الإرهاب بتجفيف منابعه الفكرية وقتل جرثوماته المنتشرة فى كل ربوع مصر، ولعل هذا هو ما يضع الدولة فى اختبار حقيقى فى القريب العاجل، أمام صدق نواياها فى دعم ثقافة المصريين، فهل ستتوسع الدولة فعلا فى تعميم مبدأ العدالة الثقافية؟ وهل ستدعم مشروعات الثقافة المتوقفة وأشهرها متحف الجزيرة الذى يحتوى على لوحات تقدر بأكثر من 20 مليار جنيه؟ وهل ستنقل المعركة مع الإرهاب من الجبال والوديان إلى الشوارع والبيوت؟